العالم يستعد لتصوير «الثقب الأسود»

  • 1/24/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: محمد هاني عطوي الإرباك والإثارة يعمان علماء الفلك، فهم يحاولون حثيثاً من خلال 9 مراصد منتشرة في جميع أنحاء العالم، الاستعداد لالتقاط الصورة الأولى للنجم الأكثر غرابة وإثارة في الكون وهو الثقب الأسود.هذا المشروع الذي يعتبره البعض مستحيلاً ينظر إليه البعض الآخر على أنه ممكن جداً من خلال «تلسكوب أفق الأحداث». وهؤلاء على يقين من أن الفلكيين سينجحون لأن التقنية الجديدة ستجعل العلماء أقرب من أي وقت مضى، من رؤية الثقب الأسود، ذلك الجرم المدهش في الكون، الذي يسحر الفيزيائيين وكتاب السيناريو في «هوليوود»، ففيلم كريستوفر نولان «إنترستلر»، أي «بين النجوم»، بات على وشك أن يخرج من عرينه.ماهو الثقب الأسود؟ هو منطقة في الفضاء لا شيء يفلت منها، ولا حتى الضوء. ومن هنا جاء اسمه. وفي الظاهر، يتصرف الثقب الأسود مثل أي نجم كلاسيكي حيث يمكن لكوكب ما أن يدور حوله مثلما يفعله حول نجم آخر، ولكننا نلاحظ عن كثب أن الثقب الأسود ليس له سطح مادي ولذا يبدو كأنه ثقب حقيقي فإذا وقع شيء ما فيه، فلا يمكنه الخروج منه بسبب قوة جاذبيته التي لا تقاوم والناشئة عن كتلته. ولذلك، يجب أن يكون مضغوطاً بشكل لا يصدق. فعلى سبيل المثال، يمكن للأرض كلها أن تنضغط في كرة قطرها 3 سم لتمارس حينها القوة نفسها التي يمارسها الثقب الأسود. إن انهيار نجم ضخم على نفسه يمكن أن يؤدي إلى تشكيل ثقب أسود ولكن الثقوب السوداء التي تبلغ كتلتها عدة ملايين كتلة شمسية، مثل ذلك القابع في مركز المجرة، ربما تولد من انصهار العديد من الثقوب السوداء فيما بينها.نتيجة هذا الحماس جاءت من «صورة لبرنامج سفاري» غير عادية والتي كان من شأنها تعبئة أكثر من مئة باحث ومهندس وفني إلى جانب تسعة مراصد منتشرة في جميع أنحاء العالم. والجرم الذي يلقى كل هذا الاهتمام ويسمى القوس A موجود في كوكبة القوس على بعد 26 ألف سنة ضوئية أي حوالي 246 مليون مليار كم ويقع وسط المجرة. وبما أننا نحن سكان الأرض نعيش في ضاحية المجرة في ذراع تسمى أوريون، فإنه لا مفر من القيام برحلة إلى المركز لكن المسافة كبيرة جداً ومن الصعب التغلب عليها، لأن الثقب الأسود ضخم للغاية (20 ضعف قطر الشمس) وسيبدو لنا الأمر كما لو أردنا تمييز، قطعة نقد من اثنين يورو من الأرض وهي على سطح القمر. والحقيقة أن المسافة ليست هي العقبة الوحيدة في هذا العمل الجنوني؛ بل إن الموضوع المراد تصويره هو نفسه المشكلة لأنه كما يوحي اسمه، الثقب الأسود هو... أسود! والفضاء من حوله كذلك أسود. وبعبارة أخرى، علينا أن نرى قرصاً أسود على خلفية سوداء. أمر صعب أليس كذلك؟والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل هو أكثر تعقيداً من ذلك ! فنحن نعرف أن بين الثقب الأسود «القوس A» وبيننا سحباً كبيرة من الغاز والغبار وهي تغطي هذا الجرم عن أنظارنا كما هو الحال في ستارة المسرح التي تخفي المشهد عنا قبل العرض. وإذا ما وضعنا كل ذلك معاً، سنجد أن كل هذه العقبات ستبدو غير مشجعة. ومع ذلك، فإن علماء الفلك الذين يعملون على تلسكوب أفق الحدث (EHT) يستعدون للتغلب على كل هذه الصعوبات. ولكن هل يوجد تلسكوب يمكن أن يقوم وحده بمثل هذا الأمر؟ الواقع أن الفلكيين حركوا تسعة مراصد موزعة عبر العالم واستخدموا طريقة معقدة تسمى قياس التداخل. وهي باختصار، خلط الصور التي التقطت من مرصدين لتشكيل صورة واحدة، مماثلة تقريباً لتلك التي يمكن الحصول عليها عن طريق تلسكوب عملاق له مرآة يبلغ قطرها قطر الأرض! وإذا كان هناك تسعة مراصد منتشرة على الكوكب، فذلك كي يكون هناك دائماً اثنان على الأقل من التلسكوبات موجهة نحو الثقب الأسود. ومع ذلك تبقى هناك عقبتان رئيسيتان: النظر «خلف» ستار الغاز والغبار، وتمييز الثقب الأسود على خلفية سوداء. والحق أنه سيتم حل هاتين العقبتين في الوقت نفسه. ولفهم ذلك، علينا أن نعرف أكثر قليلاً عن الثقب الأسود بشكل عام.لننسَ الآن إمكانية رؤية سطحه فحسب التعريف، لا يمكن حتى للضوء أن يفلت من الثقب الأسود ولذلك، هو غير مرئي. لكن من ناحية أخرى، ينبغي علينا أن نرصد ما يعرف ب «أفق حدثه»، وهي المسافة القصوى التي تمكن المرء من الاقتراب من الثقب الأسود دون الوقوع فيه.من وقت لآخر، تمر غيوم من الغاز على مسافة قريبة جداً من الثقب الأسود فيتم جذبها بفعل القوة الهائلة للثقب الأسود وحينها يبدأ الغاز بالدوران حول الجرم، ويشكل قرصاً من المادة إلا أن الاحتكاك يسخن هذا الغاز، الذي يبعث بدوره إشعاعاً قوياً. وما أن تصل المادة إلى سرعة الضوء، حتى تعبر أفق الحدث، متأرجحة برهة حول الثقب الأسود إلى أن تختفي فيه إلى الأبد. من هذه النقطة ينبغي على تلسكوب أفق الحدث (EHT) أن يكون قادراً على التقاط هذا القرص الضوئي المحيط بالصورة الظلية للثقب الأسود كما ينبغي «رفع الستار» المتمثل في كتل الغبار الحاجبة للضوء المرئي. ولحسن الحظ، فإن القرص الذي يدور حول الثقب الأسود يبعث فقط الضوء المرئي كما وينتج أيضاً أشعة إكس وفوق البنفسجية وموجات راديوية وهي كلها من طبيعة الضوء نفسه، الذي تستقبله أعيننا. ولكن هذه الأخيرة ليست مجهزة بمستقبلات لالتقاطها. ولو عدنا إلى «القوس A» سنجد أنه مصدراً قوياً لموجات الراديو؛ بل إن هذه نفث هذه الموجات هو الذي جعل العلماء يشتبهون في وجود هذا الجرم في نهاية التسعينات. وميزة هذا النوع من الموجات أنها تمر من خلال الغبار. ولفهم كيفية حدوث ذلك، يجب أن نتذكر أن الضوء يتصرف مثل موجة، تشبه موجة البحر. ولنتخيل جزيرة صغيرة تتكسر الموجات الصغيرة على شاطئها ولكن ماذا سيحدث لو ظهرت موجة عملاقة، مثل تسونامي؟ لا شك أن الجزيرة لن توقفها بل ستستمر الموجة العملاقة في طريقها. وينطبق الشيء نفسه على موجات الراديو، عندما تعبر جزيئات الغاز والغبار.فضلاً عن ذلك يتراوح طولها الموجي بين الملليمتر والسنتيمتر، وهو أكبر من الطول الموجي لجسيمات الغبار وجزيئات الغاز ولذا فهي تعبرها دون أي عائق مواصلة طريقها نحونا. وفي المقابل، نجد أن الطول الموجي للضوء المرئي، صغير جداً ( أقل بعشرة آلاف مرة من المليمتر)، ولذا فهو يغرق في هذا الغبار. ولرسم صورة للثقب الأسود، سيقوم علماء الفلك بجمع موجات الراديو المليمترية، التي تعبر الفضاء دون عوائق تقريباً ونتيجة لذلك لكن تكون «الصورة» التقليدية التي سيلتقطها الفلكيون ضمن مجال الضوء المرئي، ولكن ضمن ضوء «موجات الراديو»! والحقيقة أن الصورة الراديوية جميلة جداً أيضاً فمن خلال صبغ موجات الراديو المختلفة بألوان معينة، يمكن لعلماء الفلك «تحويلها» إلى صورة ضمن الضوء المرئي تماماً مثل الصور (الأشعة تحت الحمراء) لمنزل، التي نستخدمها للكشف عن تسرب الحرارة. خروج غير معلن ويتم إضافة الألوان الأحمر والأزرق والأبيض إلى هذه الصور عن طريق الكمبيوتر وفقاً لكمية الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من أماكن مختلفة. لذلك سنحصل على صورة، وبطبيعة الحال، فإن هذه الصورة لن تنتهي مؤطرة على مكاتب الفلكيين العاملين في هذا المشروع كصورة أولى للحواف المباشرة للثقب الأسود، بل سيعملون على التحقق من أنها تتوافق جيداً مع المحاكاة الحاسوبية التي طالما أجروها على أجهزة الكمبيوتر منذ عدة سنين وسوف يتم التأكد أيضاً من كتلة الثقب الأسود (والتي تقدر ب 4 ملايين مرة قدر كتلة الشمس) ومن قطره وسرعة دورانه حول نفسه. ولكن متى ستخرج هذه الصورة غير المألوفة إلى العلن؟ لا بد أولاً التسلح بالصبر لأن التقاط الصورة قد تم على مدار عشرة أيام خلال شهر إبريل الماضي وكمية البيانات الكبيرة لا تسمح بنقلها على النت وكان ينبغي تخزينها في محركات أقراص صلبة وإرسالها إلى معهد ماكس بلانك في ألمانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تظهر النتيجة الأولى بحلول نهاية العام الجاري.بالطبع لن تكون الصورة المنتظرة سوى البداية! لأن تلسكوب أفق الحدث (EHT) سيقوم بالتقاط الصور «للقوس A» على مدار خمس سنوات متتالية، من أجل مشاهدة كيفية تطور القرص حول الثقب الأسود. وستصبح الصورة الثابتة فيلماً يكشف عن المكان الأكثر جمالاً وإثارة في المجرة.. ولا شك أنها ستكون أقل إثارة من فيلم بين النجوم، ولكنها بكل تأكيد أكثر مصداقية بكثير! حجم المرآة من الممكن صنع تلسكوب افتراضي كبير للموالفة بين الصور التي يجمعها تلسكوبان، حجم المرآة الافتراضية تساوي المسافة الفاصلة بينهما. وبعبارة أخرى، الجهازان الواقعان على مسافة فاصلة بينهما قدرها 1000 كم تعادل تلسكوباً واحداً قطره 1000 كم ! وكلما كان قطر التلسكوب كبيراً، أمكن التمييز بين نقاط قريبة جداً، وبالتالي إنتاج صور مفصلة.وتقنية مقياس التداخل لا تعمل إلا إذا تم التقاط الصور في نفس الوقت، وإلا فإنها الفوضى الحتمية. ويتم تأريخ توقيت كل صورة ملتقطة حسب الساعات الذرية الموجودة في كل مرصد، وذلك لمزيد من الدقة، بحيث لا يوجد فرق سوى ثانية كل 100 مليون سنة. ومن الضروري أيضاً معرفة المسافة الفاصلة بين المراصد مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة الانجراف بين القارات، التي تبعد على سبيل المثال أوروبا عن أمريكا سنتمترين في السنة. ربما يبدو هذا الأمر بسيطاً، ولكنه كاف كي يؤثر في القياسات ويجعلها خاطئة!

مشاركة :