لن نعتذر عن بشاعة الصورة

  • 1/24/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

توفّي قبل أيام 13 سورياً، بينهم 3 أطفال ونساء، نتيجة تعرضهم للبرد القارس خلال محاولة اللجوء إلى لبنان، وقد لقي ما لا يقل عن 35 شخصاً حتفهم غرقاً، أثناء محاولاتهم الهجرة على السواحل الليبية، والأحداث يطول ذكرها وتفصيلها، فكل يوم نسمع ونقرأ ونشاهد مئات الحوادث الأليمة. رحلة من الموت إلى الموت، هذا مختصر حكاية آباء وأمهات وأبناء في وطننا العربي، وربما ما يحدث اليوم من أحداث قاسية، لهو جزء صغير مما تعرضت له البشرية خلال فترات الحروب العالمية أو الحروب الأهلية العظمى، ولكن المختلف اليوم، أن الإعلام أصبح أداة فاعلة وقوية وسريعة ومنتشرة جداً، فما إن تسقط إبرة في الصين وتصدر صوتاً، حتى تسمع صدى صوتها كالانفجار في بقية أقطار العالم. الأحداث المؤلمة متلاحقة وسريعة، ويكاد المرء ما ينسى إحداها حتى يأتيه التي تليها، حتى وصلنا لمرحلة «تبلد» في المشاعر، فلا شيء يؤثر فينا، نسمع ونطنش، نرى وندير ظهورنا، نكتب ونعاود المسح، والمشكلة ليست عندنا نحن الكبار، فربما أصبحت هذه الصور جزءاً من روتين نعيشه، إنما المشكلة الحقيقية عند أطفالنا، الذين أصبحوا يشاركوننا هذه الحالة، ويرون كل يوم أطفالاً بعمرهم يقتلون ودماؤهم منتثرة على الأرض، حتى اعتادوا على هذه المناظر والمشاهد والأخبار والأحداث. وبدلاً من أن نعالج هذه الحالة «زدنا الطين بُلة»، جعلنا أجيالنا تتعلق بهذا الواقع، وتصبح جزءاً منه، فحتى ممن هم بعيدون عن هذه الأحداث، أصبحوا يحاكونها عبر ألعابهم وتطبيقاتهم وعوالمهم الافتراضية، التي راحت تفصل هذه الأحداث المؤلمة، وتجعل لها سيناريوهات إلكترونية، أطفالنا هم من يجربونها ويعيشون تحدياتها، وكأنهم هم أبطال القصة والقضية، وما المآل إلا أن وصلنا لتشكيل نفوس بشرية تعايش الدمار والقتل، وثقافة النزاع جزء لا يتجزأ من حياتها. نحن اليوم نشاهد انعكاسات حياة جيلنا نحن، على الواقع الذي نعيشه، وما شكلته فينا من طباع، ولكن هل فكرنا ما هي نتاج هذه التجارب التي تعيشها أجيالنا المستقبلية، فإلى الآن هؤلاء ما زالوا صغاراً، وما تعلموا وتربوا عليه، سواء بمشاهدتهم وسماعهم للأخبار والأحداث المؤلمة، أو هروبهم إلى العوالم الافتراضية، وما يدور فيها من سيناريوهات دموية، لم تظهر نتائجها على أرض الواقع، وما زلنا غير قادرين على الحكم على نتاج هذه المرحلة، وما ستؤول إليه الأحداث جراء هذه الأفكار غير المدروسة وغير واضحة المعالم، غير أنها قاتمة وفيها من الحدية ما يكفي لتقول كلمتها في المستقبل، والشرارة واضحة، رغم ضعف بريقها. قبل عشرات السنين، كانت الحكاية أبسط من هذا التعقيد الذي نشهده، فمهما كانت الأوضاع والأحداث مؤلمة في حينها، إلا أن أجيالنا عاشت متنفساً من العشوائية الممزوجة بالحرية الروحية، ولكن اليوم، أين النور ومساحة اللعب التي تعانق السماء، ولماذا اختصرناها بشاشات رقمية تأخذنا إلى عوالم كثيرة ومتنوعة وعديدة، قد نجهل إلى أين ستصل بنا. لن نعتذر عن بشاعة الصورة أبداً، فكلما حاولنا الاعتذار، نجد أننا قد تعودنا على قسوتها، وكلما تعمقنا في أسبابها، سنجد أنه لا يسعنا إلا الاعتذار عن بشاعتها، وتنشل أيدينا وعقولنا عن إيجاد حلول تعيد رسم هذه الصور وتشكلها من جديد، فقد تساءلنا في مقال قبل سنوات «من الذي سيعيد لأطفالنا براءتهم وضحكتهم ولعبتهم؟!»، اليوم نتساءل، من الذي سيعيد لأجيالنا، كباراً وصغاراً، حكاياتها وألعابها، فقد تحولت جميعها لنزاع ونازع على كل شيء، من أبسط الحقوق حتى أكبرها. إن كانت أيدينا قاصرة عن أن توقف قصفاً مدفعياً أو صاروخاً جوياً، وبلداننا بعيدة عن حرارة الموت، فهذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، ونناظر أولادنا وبناتنا وهم يفقدون يوماً بعد يوم جزءاً من طبيعتهم وفطرتهم، فالعدائية أصبحت طبيعة جمعية، وسمة من سمات الصغار قبل الكبار، أين مؤسساتنا ومثقفونا عن هذه الحالة، لماذا لم يدرسوها؟ أين مدارسنا والمناهج والتعليم في دولنا العربية، لماذا لم تختر حروفها ومنهج تدريسها، لتجعله نظاماً مقوماً للسلوك العدائي، بدلاً من انتهاجها منهج التحدي بينها وبين الطالب. لن نعتذر عن بشاعة الصورة، فإلى الآن لم يتحرك أي فنان ليجملها، ولا ساحر يلوح بعصاه ليغيرها، ولا مُعلم رأى أن من واجبه أن يصحح خطأها، ولا إعلامي خط بقلمه مقالاً ينشد فيه الفرح أو صوّر بكاميرته الخير، بدلاً من نهمه في البحث عن المصائب والكوارث، ولا حتى أب عرف أن مستقبل أطفاله هو نتاج ما يرونه اليوم، فحجب عنهم بشاعة الصور، وغيّرها بصور أجمل، ولا حتى أم تركت ماكياج وجهها جانباً، وعرفت أن إشراقة وجهها ونضارته تكمن بصناعة أجيال المستقبل، هذه هي الصورة، وبيدكم ريشة وألوان، فحاولوا أن تعيدوا تلوينها على الأقل، إن لم تستطيعوا إعادة رسمها من جديد.

مشاركة :