في الرياض، كنتُ قد لمحتُ قبل 45عاماً لوحةً تحملُ اسم مقهى باسم ‘موكا Moka’ على ركنِِ بمقربة من فندق اليمامة على شارع الوزارات، شارع المطار-البلد.(و لعل مقهى’موكا’ هذا كان المقهى الأول و الوحيد من نوعه في العاصمة؛ و علمتُ أن سعر كوبه كان غالِياً.. ربما وقتها بمقدار 4ريالات.. مقارنة بريالين عن كوب من حجمه في المقاهي و الفنادق المجايلة.)و ما لا يعرفه كثيرٌ من اهل و ساكني الرياض و زائريها أنّ معنى (موكا) كان اصلُه (مُخا)، أي إشارة إلى ميناء ‘المُخا’ اليمني الشهير.. او الذي (كان) شهيراً في أيام زراعة و تصدير البن قبل أن تنافسه مزروعات أخرى، كالقات (!) مثلاً.بل، و لقد صُعقتّ حين اكتشفت ان حتى قليلاُ من اليمنيين، و خاصة من الأجيال المتأخرة، من يعرف ايّ علاقة بين قهوة ‘موكا’ ذائعة الصيت حول العالم بأنها من نفس اسم ميناء/ مدينة ‘المخا’ اليمنية.و ميناء (المٌخا) يقعُ على ساحل البحر الأحمر، على بّعد حوالي 200كم إلى الجنوب من ميناء الحُدَيدة الذي صار ميناء اليمن الأشهر منذ عشرات السنين.و مع أن ميناء مدينة المخا كانت له شهرة تاريخية تليدة منذ مئات السنين او حتى آلافها، إلاّ أنّ شهرة ميناء الحُديدة طغت عليه فحلّت محله كالميناء الرئيس في شمال اليمن.بل -و من طول اندثار كلمة و سمعة ‘المخا’، فقد تجد حالياً قهوة في المقاهي ذات السمعة و الصيت في جدة و المملكة. باسم ‘آرابيكا’.. هكذا، لا حتى ‘عرابيكا’.وكان اسم ‘المخا’ قد انتشر أساساً بسبب تصدير البن اليمني منه- و هو البن الذي كان مشهوراً في جّل العالم القديم. و لو أن مصدراً موطناً أساساً كان في افريقيا، و بالذات في الحبشة.. (ففي اللغة الأمهرية تكون كلمة ‘بون’ او ‘بونه’ توأماً للفظة البن عندنا في العربية)؛ و حيث تقع مزارعه في عدة مناطق في إمبراطورية الحبشة القديمة.. و بالأخص في منطقة (كافا).و أتصور أن الأوربيين اخذوا منها كلمة (كافيه) و ‘كوفي’؛ اما عند الأتراك إبّأن السلطنة العثمانية و ما بعدها فجاءت لفظة (كهوِي)؛ بل و حتى لفظة ‘الفطور’ عندهم صارت ‘كهوالتي’!و لما ذاع اسم و (ماركة) ‘موكا’، ظهر ممدوداً بالواو بدلاً من فقط ضم الميم كما في ميم (المّخا). و لا نلوم مخترعيها و مروجيها الأوربيين في (موكا)..و ذلك لمحدودية نطق لسانهم و مخارج حروفهم في انتاج حرف (الخاء)!و كان استعمال كلمة و مشروب قهوة ‘موكا’ قد بدأ رسمياً في ايطاليا و ذلك بٌعيدَ استعمار ايطاليا الحبشة و أجزاء من القرن الأفريقي في الثلاثينات من القرن العشرين، و مع السيطرة على منطقة تجارة باب المندب بما فيها ساحل اليمن و موانئها مثل المخا.بل، تشير موسوعة ويكيبيديا إلى أن الايطالي ألفونسو بياليتي سجّل لفظة Moka في براءة اختراع في 1933م، (و كان في ذلك إشهاراً لاسم تلك القهوة و ثثبيتاً لاسم ميناء و مدينة المخا اليمنية العريقة Mocha/Mokha.)و لعل تلك ‘البراءة’ شملت ايضاً طريقة تحضير هذه القهوة، بما يشمل: تمرير الماء الساخن المضغوط بالبخار.. عبر مسحوق القهوة. (و صار لهذا التحضير جهازٌ كهربائيٌ يحمل نفس الاسم، Moka.)فكانت شهرةّ قهوة موكا/مخا كشهرة قهوة برازيل زماننا؛ و كذلك قهوة هَرَر الحبشة؛ و قهوات ممباسا و دار السلام في كينيا….و مع موكا/مخا، صارت ايضاً قهوة (جافا Java) اسماً متداولاً و لفظة و (ماركة) عالمية؛ و لو أن قليلاً من كان يعرف أن (جافا) تشير إلى جزيرة (جاوا)/جاوة، أشهر جزر أندونيسيا السبعتعشر الفا و هي التي راجت سمعتها بعدما كانت تحت استعمار هولندا الذي دام لحوالي 400 سنة؛ و استنزف خلالها الكثير من خيرات البلاد و مواردها الطبيعية.. و منها القهوة.و قام تجار هولندا فاستغلوا نتائج استكشافاتهم الجغرافية و براعتهم الملاحية و صِلاتهم التجارية و شبكاتهم التسويقية.. فنشروا تلك القهوة (و معها قهوة مٌخا/موكا)؛ فانتشر الاسم في أنحاء أوربا حيث كانت هولندا مركزاً لتموينها في شبكة لوجستية بما فيها نهر الراين و عن طريق مينائها الضخم روتردام الى عموم اصقاع أوربا.. و العالم.د. إبراهيم عباس نتوعميد سابق بجامعة البترول
مشاركة :