نقل السفارة الأميركية إلى القدس على صفيح ساخن

  • 1/25/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

تتسارع خطوات نقل السفارة الأميركية إلى القدس ليصبح قرار الرئيس دونالد ترامب واقعاً ماثلاً للعيان، حيث أكد نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل أن وزارة الخارجية الأميركية ستعلن، خلال أسابيع، تفاصيل خطة ترامب لنقل السفارة إلى القدس بحلول نهاية عام 2019. وبهذا تبرز بقوة أسئلة عديدة حول التداعيات المحتملة لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقد يكون من أخطر التداعيات إخراج ملف القدس من أي عملية تفاوضية مستقبلية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ناهيك بنقل إدارة المقدسات الإسلامية والمسيحية إلى سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وسيفتح المجال أمام دول العالم لنقل سفاراتها إلى مدينة القدس. وتبعاً لذلك ستسعى حكومة نتانياهو إلى فرض واقع تهويدي على الأرض في مدينة القدس، وذلك من خلال سياسة الترانسفير الصامت ضد العرب المقدسيين. ومن الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة في الخامس من حزيران (يونيو) 1967، بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من بعض دول أميركا اللاتينية بعد تراجعها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، هذا فضلاً عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية بين اليهود. وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة تجاه العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين اليهود بالمدينة في المدى المنظور. وستستمر إسرائيل في تنفيذ سياسات عديدة من أجل دفع العرب المقدسيين من مسلمين ومسيحيين إلى خارج مدينة القدس، ومن بين تلك السياسات التي تجعل المقدسي يفقد هويته: إذا عاش الفلسطيني المقدسي خارج القدس لمدة سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى، أو إذا سجل إقامته في بلد آخر خارج فلسطين المحتلة. وتبعاً لتلك الحالات، فإن دراسات مختلفة تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو 60 ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من القدس أو بقاءهم خارجها. لقد وضعت كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وفق أحكام قانون دولة الاحتلال الدقيق والمخططة سلفا، فصاحب الأرض- ووفقاً لنسق تطور الملكية والسكان- معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو عشرات السنين، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية. يلحظ المتابع بأن إسرائيل استطاعت طرد 15 ألف مقدسي أثناء احتلالها الجزء الشرقي من مدينة القدس في حزيران (يونيو) 1967، وقبل ذلك تم طرد 60 ألف مقدسي عام 1948 ،بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور في قرى القدس، وبشكل خاص في قرية دير ياسين في شهر نيسان (أبريل) من نفس العام على يد العصابات الصهيونية. وستستثمر حكومة نتانياهو عملية نقل السفارة من خلال تسريع الخطوات التهويدية، عبر محاصرة القدس بالجدار العازل، حيث تشير دراسات إلى أن عمليات البناء في الجدار المذكور حول المدينة المقدسة باتت في نهاياتها، وسيتم عزل القدس ديموغرافيا وجغرافيا عن محيطها العربي في الضفة الغربية. ولمواجهة التداعيات المحتملة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس واستثمار إسرائيل لها عبر فرض الواقع ألتهويدي في مدينة القدس خلال فترة زمنية قياسية، تحتم الضرورة رفض الخطوة الأميركية المرتقبة ومطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن تطبيق قراراتهما التي تعتبر القدس مدينة محتلة وكافة الإجراءات الإسرائيلية لاغيه وباطلة بما فيها قرار الضم في صيف عام 1980. وقد يكون من الأولوية بمكان ضرورة إحياء صندوق دعم القدس وأهلها في مواجهة السياسات الإسرائيلية الرامية لطرد العرب المقدسيين إلى خارج المدينة، بغية فرض أمر واقع تهويدي. ويبقى القول أنه من شبه المؤكد أن إسرائيل ستستغل الخطوات العملية لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، لتنفيذ مخططاتها الإجلائية بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان، وكذلك بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية لجذب مزيد من المهاجرين اليهود إليها من دول العالم بأسرع وقت ممكن لفرض جغرافية سياسية قسرية تهويدية في القدس يصعب الانفكاك عنها مستقبلاً.     * كاتب فلسطيني

مشاركة :