وزير الخارجية القطري بشأن العلاقة مع مصر، بالإضافة إلى قفزه على واقع العلاقة شديدة التوتر بين البلدين، لا يتجاوز كونه محاولة جديدة للبحث عن متنفّس لأزمة نظام الدوحة عبر شقّ صفّ الدول المقاطعة لقطر والتي تبدي مزيدا من التماسك والتضامن بوجه السياسة القطرية المهدّدة لأمن المنطقة واستقرارها.العرب [نُشر في 2018/01/25، العدد: 10880، ص(3)]واقع آخر من وحي خيال الوزير دافوس - حاول وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني التقليل من حجم الخلافات بين بلاده ومصر قائلا إنّها غير أساسية وأنّ الدوحة تسعى لسدّ الفجوة مع القاهرة، نافيا في نفس الوقت تورّط قطر في محاولات زعزعة استقرار مصر. وبدا كلام الوزير في منتدى دافوس بسويسرا والذي تضمّن جلسة بعنوان “رؤية مشتركة للعالم العربي”، منفصلا تماما عن الواقع ومخالفا لمعطياته التي تظهر وصول الهوّة في العلاقة بين مصر وقطر إلى درجة غير مسبوقة من الاتساع بسبب سياسات ممنهجة تتبعها القيادة القطرية تجاه الدولة المصرية منذ سنوات وترتقي إلى مرتبة “حرب” معلنة متعدّدة الأوجه، إعلامية وسياسية واقتصادية على خلفية موقف قطري واضح من النظام المصري يعتبره “غير شرعي” ولا يخفي رغبته في إسقاطه وتصعيد جماعة الإخوان المسلمين المصنّفة إرهابية في مصر وعدد من الدول العربية، مجدّدا إلى الحكم بعد أن تمّ إسقاطها بثورة شعبية سنة 2013. وتُؤوي قطر على أراضيها عناصر الإخوان الفارّين من مصر وتفتح لهم منابرها الإعلامية لمهاجمة القاهرة والتحريض ضدّها وتغدق عليهم تمويلات سخية في مختلف مقرّات إقامتهم في تركيا وعدد من البلدان الأخرى. وانطوى كلام الوزير القطري على تناقض جوهري، فمقابل التهوين من حجم الخلافات مع مصر حرص على تضخيم حجم الخلافات داخل مجلس التعاون الخليجي الذي تنتمي إليه بلاده إلى جانب الدول الخليجية الخمس الأخرى. وقال الوزير “إننا نشعر بالأسف لكون مجلس التعاون أصبح منظمة غير فعالة بعدما كان في الماضي القريب مثالا للتماسك والأمل للعالم العربي”. وصنّفت مراجع خليجية كلام الوزير القطري بشأن مصر ضمن ما سمّته “تكتيكا قطريا لجأت إليه الدوحة خلال الفترة الأخيرة بفعل تعمّق أزمتها مع دول محيطها الخليجي والعربي، متمثّلا في محاولة شقّ صفّ الدول الأربع المقاطعة لها بسبب دعمها للإرهاب عبر اختزال الأزمة في خلافات ثنائية داخل الفضاء الخليجي”. وبحسب المراجع ذاتها فإن “معالم هذا التكتيك اتضحت بشكل جليّ من خلال شنّ الدوحة حملة إعلامية ودبلوماسية مكثّفة على دولة الإمارات دون باقي الدول المقاطعة لقطر وخلق أجواء تصعيدية ضدّها تارة باتهامها باختراق مجالها الجوّي وطورا بالتعرّض لطيرانها المدني والتحرّش به أثناء عبوره الأجواء القطرية بشكل مشروع”.تناقض جوهري بين التهوين من حجم الخلافات مع مصر والحرص على تضخيم حجم الخلافات داخل مجلس التعاون وبدت الدول المقاطعة لقطر على بينة من هذا التكتيك وحرصت على قطع الطريق عليه موجّهة رسالة قوية بشأن تضامنها وتماسكها في مواجهة الإرهاب وداعميه من خلال اجتماع انعقد، الإثنين، في العاصمة السعودية الرياض وضمّ وزراء خارجية كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين. وذهب إعلاميون مصريون حدّ نعت كلام الوزير القطري عن بلادهم بـ”التملّق” تعليقا على مبالغته في التفاؤل والإيجابية. وقال وزير خارجية قطر إن بلاده تهتمّ “باستقرار مصر، وأولئك الذين يدّعون أن قطر تحاول أن تلعب دورا مزعزعا لاستقرارها، يوجهون اتهامات كاذبة”. وأضاف “إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية عربية، فإن استقرار مصر مهم جدا للمنطقة. وإذا نظرنا إليه من منظور اقتصادي، فلدينا استثمارات قائمة هناك، والحرص على أن تكون استثماراتنا في بيئة مناسبة هو من أولوياتنا”. وقال إنه “ليس هناك ما يدعو إلى أن تصبح قطر عاملا مزعزعا للاستقرار في مصر”. وتابع “كل من يحاول البناء على هذه الاختلافات يحاول خلق نظرة معينة عن قطر”. ومنذ مبادرة كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، في يونيو الماضي إلى إعلانها عن مقاطعة الدوحة بسبب سياساتها المهدّدة لأمن المنطقة واستقرارها، أصبحت قطر أكثر من أي وقت مضى تحت مجهر الملاحظة الدولية كجهة داعمة للإرهاب وجماعاته، ما جعلها تسعى جاهدة في كلّ مناسبة لتبرئة ساحتها ومحاولة الحصول على “شهادة حسن سلوك” من المجتمع الدولي من خلال ادّعاء انخراطها في محاربة الظاهرة الإرهابية. ودعا آل ثاني من دافوس إلى “النظر للإرهاب من زاويتين رئيسيتين هما الأيديولوجيات وغياب الدولة”. وبتطبيق ما دعا إليه الوزير القطري فإنّ كلتا الزاويتين تدينان بلاده؛ فقطر من كبار المروّجين عبر إعلامها وخطابها السياسي لأيديولوجيات الإرهاب بدعمها لجماعة الإخوان وما تناسل عنها من جماعات إرهابية. وقطر ذاتها هي التي ساهمت في إسقاط الدولة في ليبيا وسوريا واليمن بغض النظر عن الموقف من أنظمة تلك الدوّل، كما حاولت بكل قوّة إسقاط الدولة المصرية لكنّها فشلت في ذلك بفعل وجود ممانعة داخلية مصرية ووقوف دول خليجية بقوّة إلى جانب مصر. واعتبر الشيخ محمّد بن عبدالرحمان أنّ تنظيم داعش “ما هو إلا تطور لتنظيم القاعدة”، ما يشكّل أوضح إدانة لقطر التي تدعم بشكل واضح وصريح ومعلن جبهة النصرة في سوريا باختلاف مسمّياتها، فيما الجبهة ليست سوى تسمية مختلفة لتنظيم القاعدة نفسه الذي يعتبره الوزير أصل إرهاب داعش. وسبق لقناة الجزيرة القطرية أن بثّت حوارا مع “أبومحمّد الجولاني” زعيم فتح الشام في سوريا والتي هي ذاتها جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الذي قال الوزير القطري إنّه أصل داعش.
مشاركة :