أصحاب الأكياس المنفوخة الذين أثروا بسرعة وبطرق غير شرعية تمكنوا من امتلاك مؤسسات اقتصادية كبرى وتحولوا إلى قوة اقتصادية مهيمنة مهدت لهم السبل للسيطرة على الشأن السياسي وتقرير مصير الحياة السياسية في البلاد.العرب أزراج عمر [نُشر في 2018/01/25، العدد: 10880، ص(9)] لم تشهد الجزائر قبل تولي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لمنصب رئيس الدولة ظاهرة التداخل السافر في الصلاحيات بين الأثرياء بشكل خاص والقطاع الخاص بشكل عام من جهة، وبين القيادات السياسية والتنفيذية على مستوى الهرم الأعلى للدولة من جهة أخرى إلا نادرا. في فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين كانت القيادة السياسية تعتبر القطاع الخاص قطاعا استغلاليا يناقض مصالح الشرائح الفلاحية والعمالية التي كانت ولا تزال تشكل أغلبية سكان الجزائر. أما بعد تولي الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لمنصب رئاسة الدولة فقد تمت تصفيته للقطاع العام بشكل تدريجي. والآن فإن أصحاب “الأكياس المنفوخة” أي الذين أثروا بسرعة وبطرق غير شرعية قد تمكنوا من امتلاك مؤسسات اقتصادية كبرى وتحولوا بسبب ذلك إلى قوة اقتصادية مهيمنة مهدت لهم السبل للسيطرة على الشأن السياسي وممارسة تقرير مصير الحياة السياسية في البلاد، وذلك بتمويل الحملات الانتخابية لصالح سياسيين معينين ولفائدة أحزاب الموالاة أثناء الانتخابات البلدية والولائية والبرلمانية، وأكثر من ذلك فإنهم سيطروا على المشهد السياسي الوطني عن طريق تمويل الحملات الانتخابية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بمليارات الدينارات. في هذا السياق كيف نفهم ظاهرة رجل الأعمال الجزائري علي حداد الذي بدأ حياته، منذ سنوات قليلة، كمقاول بسيط وصار الآن يتقلد منصب رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الوطنية حيث تقدر ثروته بأكثر من مليار ونصف مليار دولار، ويملك مؤسسات إعلامية (فضائيتان وصحيفتان يوميتان باللغات الأمازيغية والعربية والفرنسية) لها دور في تسويغ حكم الرئيس بوتفليقة وفي المساهمة في توجيه الرأي العام الوطني. والحال أن تشجيع الجهات المتنفذة في أجهزة الحكم على بروز علي حداد كلاعب اقتصادي وسياسي له أكثر من دلالة، فهو من المنطقة الأمازيغية أولا، ويختلف عن مواطنه الملياردير يسعد ربراب الذي يرفض الإذعان للنخب السياسية الحاكمة وخاصة جماعة تلمسان المهيمنة على أعلى هرم السلطة ثانيا، وثالثا ليس له تاريخ متجذر صنعه بنفسه أو ورثه عن عائلته وله صلة عضوية بحركة التحرر الوطني وذلك بحكم مولده في عام 1965، أي بعد انتهاء حرب التحرير ضد الاحتلال الفرنسي ويمثل هذا عاملا مهما وهو نقيض ما ينفرد به عدد من المناهضين للنظام الجزائري الراهن ومنهم عبدالمؤمن رفيق خليفة، الملياردير الذي أطيح به، والذي ورث بعض الشرعية الثورية عن والده العروسي خليفة الذي كان أحد كبار ضباط المخابرات الجزائرية ثم عمل سفيرا للجزائر ببريطانيا. ورغم هذا فإن علي حداد لا يتصرف كمجرد رجل أعمال، بل إنه يقدم نفسه في مختلف المناسبات كشخصية عامة لها ثقل ونفوذ سياسيان محوريان. ففي الأيام القليلة الماضية مثلا، جهر برأيه كرجل سياسي في قضية ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور وكذلك في ترسيم يوم 12 يناير كيوم عطلة أمازيغية سنوية مدفوعة الأجر، ولم ينس طبعا القول بأنه يعتبر نفسه أحد المناضلين الطليعيين الذين ناضلوا في الماضي من أجل الهوية الثقافية الأمازيغية وذلك حينما كان طالبا بقسم الهندسة المدنية بجامعة تيزي وزو. ونظرا لكل هذه المواقع التي يحتلها علي حداد يرى معلقون سياسيون جزائريون أنه قد دخل فعليا إلى مسرح الحياة السياسية من بابه الواسع بسرعة قياسية، وأصبحت له قوة مادية ورمزية يبدو أنها تنافس عمليا سلطات المحافظين عبر المحافظات، والوزراء بما في ذلك الوزير الأول الذي يعتبر في العرف السياسي الجزائري بمثابة الرجل الثاني في سلم السلطة التنفيذية وذلك بعد رئيس الجمهورية الذي يجمع في الواقع كل الصلاحيات بين يديه. إن الصفة السياسية لعلي حداد تبرز باستمرار وأكثر فأكثر منذ إبعاد رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال الذي اصطدم به وبعد إقالة الوزير الأول عبدالمجيد تبون قبل انتهاء شهر العسل في الوزارة الأولى. ففي هذا الأسبوع صرح حداد أمام الرأي العام الجزائري بلهجة الواثق من قوة موقعه السياسي بأنه اتصل بالوزير الأول أحمد أويحي داعيا إياه إلى افتتاح ندوة التحول الطاقي بقصر المعارض، واعتذر له هذا الأخير جراء إصابته بالزكام واكتظاظ برنامج عمله في ذلك اليوم بالذات، وعلى نحو متزامن فقد طالب علي حداد، بلهجة قاسية وصارمة، من الإعلاميين الجزائريين الكف عن التفلسف والزج بأنفسهم في العلاقة التي تربطه بالوزير الأول. في هذا السياق ينبغي التذكير بأن علي حداد قابل رسميا، منذ مدة قصيرة أيضا، ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي، بالولايات المتحدة، ولكن وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل لم يصدر عنه أي تعليق حول الحدث أو أي احتجاج أو حتى أي عتاب، علما أن العرف الدبلوماسي لا يسمح عادة بمثل هذه المقابلة في غياب ممثل للسياسة الخارجية الجزائرية أو تكليف رسمي من رئيس الدولة مباشرة. إضافة إلى ما تقدم فإن وسائل الإعلام الجزائرية قد نقلت مرارا أخبارا عن لقاءات علي حداد بالسفراء الأجانب بالجزائر بصفته رئيسا لمنتدى رؤساء المؤسسات الوطنية الكبرى (الأفسيو)، فضلا عن نقل مناوشاته مع بعض المسؤولين السياسيين الكبار بما في ذلك رئيس الوزراء السابق المقال عبدالمجيد تبون الذي يشاع أن خسارته لمنصبه كوزير أول تعود مباشرة إلى الضغوط التي قام بها علي حداد، وحسمها عمليا صديقه سعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :