محمد بن راشد: الهجر لأهل الغرام «الضربة القاضية»

  • 1/26/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد عبد السميع (أبوظبي) واحدة من روائع شعر صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وفيها يصف طقوس الشعر والكتابة، وحرارة الاشتياق، ومرارة الشكوى والهجر؛ الهجر الذي قال عنه سموّه في آخر القصيدة إنّه «الضربة القاضية» لأهل الغرام، وليس ذلك بمستغرب على شاعرٍ بحجم صاحب السموّ يعلم آلام الهوى وتباريح العشّاق في ما صاغ وكتب من شعر. يمهّد سموّه في مطلع القصيدة، التي أسماها «الضربة القاضية»، بمشهديات رائعة تحيلنا إلى فترة من الوقت هي الليل يتدفّق بها صاحبها شعراً بل ويأتيه الإلهام؛ خصوصاً وأنّ ظلام هذا الليل قد شهد في لحظة بوح تجمّعاً لـ«جند القصيد»- بما يحمله التشبيه من قوّة وسبق إصرار، ثمّ كان الموكب الذي هو «قافيّة» تقدّمها «الظبي» مصدر أحزان الشاعر وسبب عذابه، والمعنى أنّ القصيدة كلّها مزجاة ومهداة إلى ذلك الهاجر المعاند الممانع، فكانت الأبيات، وكانت معاناة الذي كلّما «ضوا ليله» يشبّ القصيد- وفي ذلك قوّة تشبيه وبلاغة أيضاً، حيث القصيد نار تستعر بأنفاس الشاعر الذي يُودع فيها كلّ قوّته ومهارته وهمومه، ليبوح بأسرار الهوى الخافية المحبوسة في صدره، «ويبيّح الشوق أسرار الهوى الخافية»، لكنّه النّسق ذاته يظل يتكرر تقريباً في كلّ قصائد صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث يطول الانتظار لهذا «الظبي»- العازب في الوريد- الذي له مكانة خاصّة جداً وله الدلال كلّه لأن «يودر على القلب يشرب يعلّه العافيه»، وفي هذا التعبير نحن أمام صورة قويّة لهذا الذي يتمتع بكامل الحريّة لدرجة أنّه «يورد» على قلب الشاعر! نعم!.. إنّه «الظبي» الذي ينتظر الشاعر بَرِيدَه حتى ولو بعد عام، وكم يسعد حين يظفر بشيءٍ من ذلك البريد، فيشعر بالرضا كلّه والقناعة لأن يعود ببريد هذا الحبيب بعد طول غيابٍ أو هجران. وحين يجعل الشاعر من أنفاسه «جاريةً» لهذا الظبي، فإنّ قوّة التشبيه العالية جداً كصورة فنيّة بليغة تحيلنا إلى السطوة التي تُمارس على قلب الشاعر الضعيف الذي وَهَبَهُ الروح «مكلوفة على ما يريد»، ويظلّ يغضي عن طول ظلمه و«العذاب الشديد» الذي يتسبب له به، بل يعود وهو يستمتع بهذا الظلم ويرضى به على الرغم من آلامه المبرّحة وأوجاعه الشديدة. وبالقياس والمقارنة، يبدو الشاعر متألماً جداً، لدرجة أنّه يتمنى أنّه ما عرفه يوماً أو وقع في غرامه الذي سبب له الحياة المرّة القاسية، «لا شكّ إنّي قبل شوفه بحياتي سعيد/‏‏ عرفت معه الحياة المرّة القاسية». إنّ اعتراف الشاعر بأنّه لا طاقة له على محاربته أو إغضابه هو صورة للاستسلام لهذا الظبي الذي ما من معاداته فائدة، إذا ما علمنا من منظور القصيدة أنّ طيف الظبي يحاصر الشاعر في كل شارع وفي كلّ زاوية، وما ذاك إلا للتعبير عن مدى الانشغال به عمّن عداه، بل إنّ هروب الشاعر من الحبيب إليه هو دليل قاطع على هذا الاستسلام، بل إنّ «كيّة النار بيدينه هي الشافية» تؤكّد ذلك وتكثّف هذا المعنى، فهي مبررات قويّة لهذا العشق الذي يتملّك قلب الشاعر لدرجة أنّه لن يبرى من آلامه إلا بالكي من يدي هذا الحبيب. وفي النهاية، فإنّ أخشى ما يخشاه الشاعر هو أن تستمر حالة الهجران التي هي ضربة قاضية أو تتويج لحالة القضاء على هذا الشّاعر، فكأننا أمام حكمة يقولها مجرّب هي «الهجر لأهل الغرام الضربة القاضية»! هذه القصيدة البليغة ذات الصّور، المتناغمة بموسيقى «مستفعلن مستفعلن فاعلن» هي وثيقة شكوى يقدّمها صاحب السمو الشاعر محمد بن راشد آل مكتوم ببوحه وبإمضاء نزفه العاطفيّ لينوب عنّا جميعاً في هذه الحالة التي تطيب فيها، وفيها فقط، طقوس الكتابة والبوح والإبداع.

مشاركة :