الأجهزة الذكية.. خطر داهم على الصغار

  • 1/26/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: فدوى إبراهيميختلف أولياء الأمور في قناعاتهم بشأن جواز تملك واستخدام الأبناء للأجهزة الذكية سواء كانت هواتف أو أجهزة لوحية وحواسيب، حيث يرى بعضهم أنها أضحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، بينما يرى البعض الآخر أن تقييد استخدامها ممكن، أما منعها فبات من الصعب جداً، وفي الوقت الذي تنشر المؤسسات المختصة والتعليمية، التوعية حول مخاطر استخدام الأطفال للأجهزة الذكية، إلا مشاهداتنا تفصلنا عن ذلك، فالأطفال في عرباتهم يحملون تلك الأجهزة ولا رادع لهم. يتفق الأغلبية أن منع تلك الأجهزة من الحياة اليومية أمر صعب، وليس هناك تأكيد حول فائدتها للأطفال، لكن ظروف عدة تقف أمام منعها بالنسبة للأغلبية.يقول محمد مجدي «موظف»، إن امتلاك الأطفال للأجهزة الذكية رهين استخدام محيطه الأسري بها واحتياجاته بحسب سنّه، فنجد الطفل الذي ينشأ في أسرة تستخدم الأجهزة الذكية أغلب الوقت يتوق لاكتشاف ما تحمله تلك الأجهزة فيصبح واحداً منهم، ولا يكترث بالموانع والاعتراضات لأنه لا يعي خطورتها، فكل من حوله يستخدمها، ويضيف قائلاً: «باتت حياتنا اليوم شبه إلكترونية، نطلب طعامنا ونتواصل مع الأقارب والأصدقاء ونتعلم ونبحث ونستدل على طريقنا بواسطتها، وهنا من الصعب أن أمنع أبنائي من استخدامها طالما أنني استخدمها، فمنذ سن العامين أجد أن الطفل يمكنه أن يستخدمها، لكن على الأهل تحديد المحتوى الذي يمكنه مشاهدته، والذي يجب أن يكون محتوىً تعليمياً، كما عليهم أن يحددوا وقت استخدامه لئلا يصبح جزءاً لا يتجزأ من يومياتهم، فينسون النشاط البدني والتواصل الاجتماعي».على مستوى آخر، تشير ناريمان سليم «موظفة» أنها حين جاءت إلى الدولة من إحدى الدول الأوروبية التي كانت تقيم فيها، تفاجأت بأن أغلب المحيطين بها من الأطفال لديهم أجهزة ذكية خاصة بهم، بل ويستخدمونها في اللعب والتسلية ونادراً ما تكون لغرض مفيد، وتضيف: «عملت لفترة كمشرفة على حضانة في دولة أوروبية، ولم ألمح يوماً طفلاً يعرف كيفية استخدام الهاتف المحمول، فحين كنت أخرج هاتفي من حقيبتي لا أجد منهم من يغريه، وحين تعرفت أكثر على طبيعة حياة أولئك الأطفال تأكدت أنهم ممنوعون من تلك الأجهزة الذكية طوال فترة تعليمهم في الحضانة حتى 5 أو 6 سنوات، وكنا نعتمد في تعليمهم على الرسم والأشغال الفنية، دون الاعتماد بتاتاً على التلفزيون أو حتى أي جهاز لوحي، وحتى في المنزل فلا يسمح لهم أهاليهم باستخدامها بل يقضون الأوقات معاً».وتشير إسراء الرفاعي «موظفة» أن السن المناسب لاقتناء الأبناء الأجهزة الذكية هو أمر يقرره الأهل ولا يتبع قاعدة معينة، حيث يعود ذلك لأسلوب تربيتهم والغرس الذي يسعون له، وتقول: «كل أبوين لديهما طريقتهما في التربية التي يجب أن يتفقا عليها، فلا يمكن أن تمنع الأم استخدام الأجهزة عن أبنائها في الوقت الذي يسمح لهم الأب بذلك، كما أن ضرورة استخدامها هي التي تحدد ذلك، فبعض المدارس تفرض استخدامها، وبعض الأحيان يحتاج الأهل الاطمئنان على أبنائهم والتواصل معهم لو كانوا في مكان بعيد عنهم، فعوامل عديدة وظروف تحكم الاستخدام».وتشير فدوى خالد، إلى أن الأغلبية يدركون التأثير السلبي للأجهزة الذكية على الأطفال في سن مبكرة، ويعلمون تماماً أنه لا ضرورة حقيقية من تملك الأبناء لتلك الأجهزة، سوى الترفيه، إلا أنهم يغضون الطرف ويتركوها في أيديهم كي يشغلوا أوقاتهم بها، ويتمتع الآباء ببعض الراحة، وتضيف: «حتى اليوم لا أسمح لابنتي أن تستخدم الهاتف أو الجهاز اللوحي رغم أنها في المرحلة الابتدائية، وكثير من أقرانها لديهم أجهزة خاصة بهم، إلاّ أنني أرى في ذلك رفاهية مضرة، فحينما أنظر لنفسي ولمن هم من جيلي كيف تربينا، ولم يكن هناك ضرورة حتى لساعات في مشاهدة التلفزيون، سوى ساعة مقررة في التلفزيون الرسمي، لا أرى مبرراً لكلام القائلين بضرورة الأجهزة الذكية في التعليم على الأقل، حيث تعلمنا بواسطة الكتب والمعلمين ولم نكن يوماً بحاجة لها».أحياناً يكون دافع الحب والمكافأة على النجاح، سبباً في إلحاق الضرر بالأبناء، هذا ما تنوه له شيماء عادل «ربة بيت»، وتشير إلى أننا نشهد اليوم الكثير من أولياء الأمور يهدون أبناءهم هواتف أو أجهزة لوحية في حال نجاحهم في مرحلة من المراحل الدراسية، ولا يضعون في أذهانهم أن الإدمان الإلكتروني هو أمر ليس بيد الأبناء، فحين يكون الجهاز بين أيديهم لن يستطيعوا تقنين استخدامه، وهو الأمر الذي يحدث معنا نحن الكبار، وتضيف: «امتلاك الطفل لجهاز ذكي بات بسبب دوافع عدة، منها تقليد الكبار، الغيرة من الأقران، التسلية، فنجده يصّر على امتلاكه واستخدامه، في الوقت الذي سيكون ذلك على حساب صحته البدنية ونشاطه الحركي، وكذلك استيعابه واستهلاكه لوقته وتقصيره في دراسته، ناهيك عن الاختراقات المنظمة التي تتم فيما لو كان الجهاز يتضمن الإنترنت». سوء استهلاك عدم تحديد شكل الاستخدام، وقته، ومضامينه، هو الخطر الحقيقي من وجهة نظر بكر نادر موظف، ويشير إلى أننا للأسف نفرط في استخدام أي شيء حديث، في الوقت الذي لا يتعامل معه مخترعوه والبيئة التي نشأ فيها بهذه الطريقة، ويضيف: «بات النظام الحياتي سبباً لسوء استهلاك الأجهزة الذكية، فالمدارس أدخلته كوسيلة تعليمية، والوالدين إن كانا موظفين سيكون استخدام تلك الأجهزة جزءاً من حياتهم، فكيف لنا أن نمنعه عن الأبناء، أرى أن علينا تقنين استخدامه نحن أولاً ونفرض ذلك على الأبناء مع مراقبة المحتوى، ولنفتح مجالاً للحديث واللقاءات الاجتماعية مع أبنائنا، ونشركهم بأنشطة اجتماعية ورياضية أو موسيقية، فذلك سيشغل وقتهم وينسون شيئاً فشيئاً تلك الأجهزة». عمالقة التكنولوجيا تتناقل وسائل الإعلام بعض الأخبار عن طرق تعامل عمالقة التكنولوجيا مع أبنائهم بشأنها، ففي الوقت الذي يعتقد فيه العامة أنهم محظوظون كونهم جزءاً منها، إلاّ أن أغلبهم يمنعون أبناءهم من استخدامها حتى سن معينة وبشروط. مؤسس مايكروسوفت بيل جيتس أكد في إحدى مقابلاته الصحفية أنه لم يسمح لأبنائه بامتلاك الهاتف المحمول حتى بلغوا 14 عاماً، بل وحدد لهم أوقات استخدامها، وحظر استخدامها خلال تناول الطعام وقبل الخلود إلى النوم، مؤكداً أنه من الضروري أن يكون هناك حدود في استخدام الهواتف المحمولة للأطفال، لما لها من تأثير على نمط حياتهم الطبيعية التي يجب أن ينشؤوا عليها.وفي مقابلة مع ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «آبل»، حين سؤاله عن رأي أبنائه بأحد إصدارات الشركة من «آيباد» قال «لم يستعمله أطفالي، فنحن من نحدد استعمال التكنولوجيا لأطفالنا في المنزل»، مشيراً إلى أن أبناءه يلمسون اختلافهم عن أقرانهم كونهم لا يسمح لهم باستخدام الأجهزة الذكية، لكنه يؤكد أنه لمس بشكل مباشر مخاطر التكنولوجيا ولا يريد أن يحصل ذلك مع أطفاله، بل ويتعمد الحديث مع أبنائه عن كل مجالات الحياة والعلوم إلا التكنولوجيا. مخاطر جسدية ونفسية يوضح الدكتور سعيد خلفان الظاهري عضو جمعية الإمارات للحماية من مخاطر الإنترنت، ورئيس مجلس إدارة شركة سمارت وورلد، توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال حول استخدام الأجهزة الذكية، بأن الأطفال حتى عمر السنتين لا يجوز أن يسمح لهم بمشاهدة التلفزيون أو استخدام الأجهزة الذكية بتاتاً، بينما يسمح لهم بمشاهدة التلفزيون ساعة فقط يومياً دون استخدام أي أجهزة ذكية، ويستمر هذا المنهج في التربية حتى عمر 12 سنة، وفي عمر 13 حتى 18 عاماً يسمح للأبناء باستخدام التلفزيون والأجهزة الذكية لمدة ساعتين بالمجمل، بينما ألعاب الفيديو لنصف ساعة فقط، بحسب ما توضح الأكاديمية.ويشير الظاهري إلى أنه وللأسف لا يوجد في مجتمعاتنا العربية من يتقيد ولو نسبياً بتلك اللائحة، وهو الأمر الذي يجعل الجمعية تعمل جاهدة مع شركائها على التوعية بهذا الشأن، فلاستخدام الأطفال للأجهزة اللوحية مخاطر صحية وجسدية ونفسية بالغة، وما وضعته الأكاديمية الأمريكية من لائحة تحدد فيها ضوابط الاستخدام، لم يأت إلا بعد دراسات وأبحاث عديدة، وحالات مرضية تم استقبالها وإحصاؤها، جاءت اضطراباتها نتيجة الاستخدام، سواء كانت اضطرابات تتعلق بالنمو الطبيعي، القدرات، أو الطبيعة الاجتماعية. ويضيف الظاهري: في ندوة أقمناها مؤخراً في الاتحاد النسائي العام في أبوظبي، أكد المختصون والأطباء الحضور على ضرورة التقيد بضوابط الاستخدام الصارمة للأجهزة الذكية، إلا أننا نواجهه ثقافة أو عادات بشأن الاستخدام، حيث نجد أولياء الأمور لا يضعون شروط استخدام حازمة أمام أبنائهم، وهذا الأمر يعود لعدد من الأسباب، أبرزها تعلقهم هم أنفسهم وبشدة بتلك الأجهزة، ورغبة البعض منهم في إلهاء أبنائهم بالأجهزة الذكية، واعتقاد بعضهم الآخر بضرورتها لأبنائهم ليواكبوا العصر ومتطلباته، بينما يرى آخرون أنها وسيلة تعليمية لا غنى عنها، بينما نقول نحن إنه حتى عمر السادسة على الأقل يجب أن يمنع الأبناء تماماً من استخدام تلك الأجهزة، لأنه كلما تم استخدامها في أعمار مبكرة أكثر كلما ازدادت مخاطرها».وينوه الظاهري بأنه ما لم نستطع كأولياء أمور منع استخدام الأجهزة الذكية، فيجب علينا أن نضبط الاستخدام، كذلك فإن ملكية الأجهزة الذكية للأطفال لا بد أن تتحدد بمعايير شديدة من قبل الأهل، ويتعلق ذلك بالحاجة لها وليس بغرض التسلية، وبرأيه الشخصي لا يرى ضرورة لملكية تلك الأجهزة تحت سن الوعي لكيفية الاستخدام وهو أمر يحدده الأبوان. مؤكداً أن كبار عمالقة التكنولوجيا في العالم منعوا أبناءهم من استخدامها على الأقل حتى عمر 9 سنوات.

مشاركة :