غوغل وفيسبوك وأمازون: قادة العالم الجدد يتحكمون في كل شيءيغطي ضجيج حرب النفوذ والمصالح بين القوى الكبرى من الشرق الأوسط إلى أفريقيا وآسيا، على أصوات حرب أخرى أشد تأثيرا وأكثر ارتباطا بالمستقبل وهي الحرب التي تقودها شركات التكنولوجيا. ويلخص جدية هذه الحرب سؤال طرحه وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، خلال مؤتمر الابتكار دي.إل.دي في ميونيخ، جاء فيه “هل سنتحول إلى متفرجين لا يحركون ساكنا في الحرب الباردة الجديدة على التكنولوجيا أم أن باستطاعة أوروبا أن تقدم إجابات أفضل؟”. ويكشف هذا التساؤل إلى أي مدى يمكن أن تنجح شركات التكنولوجيا في عصر لن تنفع فيه الدبابات ولا أعتى الأسلحة في فرض سيادة الدول وحماية اقتصادها ومصالحها القومية بل ستكون هذه المهمة بيد شركات التكنولوجيا.العرب محمود القصاص [نُشر في 2018/01/26، العدد: 10881، ص(7)] سلطة سياسية لشركات التكنولوجيا العالمية لندن – عندما بدأ مايكل زوكيربرغ في إنشاء شبكة لمجموعة من زملائه وأصدقائه في جامعة هارفارد في عام 2004، أطلق عليها اسم فيسبوك، كان يهدف أساسا إلى تسهيل التواصل بين هذه المجموعة أينما كانوا. ربما كان زوكيربرغ يتطلع إلى مكاسب تجارية مستقبلا، لكن ما حققته شبكته من أتساع وضخامة وقوة تأثير فاق كثيرا توقعات زوكيربرغ نفسه، وتوقعات أغلب المتابعين والمراقبين لوسائل الإعلام على اختلاف أشكالها. لا تختلف القصة كثيرا بالنسبة لشركة غوغل التي بدأت كمحرك للبحث على شبكة الإنترنت وتحولت إلى مجموعة عملاقة تمتلك نحو مئتي شركة وتقدم خدمات مختلفة عبر الشبكة العنكبوتية، وتمتلك عدة مواقع، من أشهرها موقع يوتيوب. ويكتمل مثلث عمالقة تكنولوجيا المعلومات بشركة أمازون التي يمكن من خلالها أن تبيع وتشتري كل ما تريد. وتتم عملية شراء الكثير من السلع والخدمات عبر شبكة الإنترنت اعتمادا على هذه الشركات الثلاث بالشكل التالي: يحصل المستهلكون على المعلومات عن هذه السلع والخدمات من غوغل ويستقبلون الإعلانات والأخبار عنها عبر فيسبوك وغوغل ثم يقومون بالشراء عبر أمازون. وبمرور الوقت، ومع التوسع المستمر في أنشطتها سيطرت هذه الشركات على حصة كبيرة من الأسواق بصورة جعلتها في وضع احتكاري لمجموعة من الخدمات. وتستحوذ شركتا فيسبوك وغوغل معا على نحو ثلثي عائدات الإعلانات على شبكة الإنترنت في السوق الأميركية، وهو الأضخم في العالم. كما يتم من خلال الموقعين معا الوصول إلى نحو 80 بالمئة من الأخبار على شبكة الإنترنت، وهي نسبة هائلة بالنظر إلى التدفق المستمر للأخبار حول العالم. أما شركة أمازون فتعمل بطريقتين: تقوم بالبيع مباشرة للمستهلكين، كما تسمح لمجموعة من الشركات بالبيع من خلال موقعها، أي تعمل كمنصة بيع لشركات أخرى، والنتيجة أن أمازون تسيطر على نحو 40 بالمئة من المبيعات عبر الإنترنت في السوق الأميركية العملاقة. أوروبا والصين وروسيا لا تقبل أن تسيطر تكنولوجيا المعلومات الأميركية على أسواقها وتحتكر البيانات عن مواطنيها مشكلات ضخمة ضخامة حجم هذه الشركات، وسيطرتها على قطاعات هامة، مثل قطاع المعلومات، ونقل الأخبار، والتجارة عبر الإنترنت تثيران مجموعة كبيرة من المشكلات الاقتصادية والسياسية، منها أنه تكاد تكون من المستحيل منافسة هذه الشركات في الوقت الحالي نظرا لما تتمتع به من قدرات مالية هائلة تمكنها من شراء أي منافس محتمل أو أي مشروع جديد يمكن أن يكون بديلا لها مستقبلا. أبرز مثال على ذلك هو قيام شركة فيسبوك بشراء موقع إنستغرام عام 2012 عندما وجدت أنه حقق نجاحا وشعبية في نشر الصور على الإنترنت. وتكررت القصة مع تطبيق واتس آب الذي أشترته فيسبوك عام 2014 بملغ هائل (22 مليار دولار) عندما وجدت أنه نجح في الانتشار، وخشيت أن يقتطع جزءا من حصتها في السوق. وعندما عجزت شركة فيسبوك عن شراء تطبيق سناب تشات قامت بتقليد أغلب مزاياه لكي تحد من انتشاره. وتستخدم هذه الشركات ما لديها من حضور في الأسواق في السيطرة على خدمات وتطبيقات إضافية، وعلى سبيل المثال تتهم المفوضية الأوروبية شركة غوغل باستخدام الهواتف المحمولة التي تعمل بنظام أندرويد، وهو نظام تسيطر عليه غوغل بهدف الترويج لتطبيقات أخرى تمتلكها الشركة الأم، وهي ميزة لا تتوفر للشركات المنافسة. تمتلك هذه الشركات قواعد معلومات لا تتوافر لأي شركات أخرى، إذ لدى فيسبوك أكبر قاعدة بيانات شخصية في العالم، علاوة على بيانات بتفضيلات واتجاهات وعلاقات من يستخدمون موقع فيسبوك، وهي ميزة فريدة. أما شركة غوغل فلديها أكبر قاعدة بيانات عما يبحث عنه الأفراد في كل دولة، وعما يثير فضولهم واهتمامهم، الأمر الذي يمكنها من توجيه شركات الإعلان والعلاقات العامة لتلبية ميول وأفراد غالبية المستهلكين في أي مجتمع. وربما لاحظ البعض أنه بمجرد البحث عن خدمة معينة عبر محرك البحث غوغل، مثل البحث عن فنادق ومنتجعات في دولة بعينها، سرعان ما تتوالى الإعلانات عن هذه الخدمة على غوغل، وأيضا على فيسبوك. أما شركة أمازون فلديها ثروة من المعلومات عن مبيعات مختلف السلع في مختلف القطاعات في مختلف الأسواق، وهي، مرة أخرى، ميزة لا تتوافر لغيرها من الشركات التي تنافسها، وتمكنها من التحرك بسرعة استجابة لتصاعد الطلب على أي سلعة أو خدمة في الأسواق بشكل لا يتوافر لمنافسيها. يتم نشر سيل من الأخبار الزائفة دون بذل أي مجهود للتأكد من مصدرها عبر موقع فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها موقع يوتيوب. كما يتم بث أفكار الجماعات المتطرفة عبر هذه المواقع، ومن أبرز الأمثلة استخدام جماعات جهادية موقع يوتيوب للترويج لأفكارها المضللة، أو استخدام اليمين المتطرف في أوروبا فيسبوك لنشر أخبار كاذبة عن المهاجرين من العرب والمسلمين. هذا علاوة على أن هذه المواقع تمكن مستخدميها من إعادة نشر أو مشاركة الآخرين في ما يصلهم من أخبار كاذبة أو مضللة أو متطرفة، وينتهي الأمر بأن يعيش كل من يؤيدون اتجاها سياسيا معينا في عالمهم الخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويتبادلون كل ما يؤيد آراءهم السياسية أو الدينية، دون الاستماع حقيقة للرأي الآخر. وهذا كله يخالف تماما فكرة التعددية وقبول الاختلاف، ويهدم أحد أهم الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية، وهو توافر معلومات صحيحة تمكن الناخبين من اتخاذ قرارات سليمة عند التصويت في مراكز الاقتراع.لغة الحروب المعاصرة الحد من المخاطر نظرا لتعدد المشكلات الاقتصادية والسياسية القائمة حاليا بسبب ضخامة شركات تكنولوجيا المعلومات، تعددت بدورها الآراء والاتجاهات حول أفضل السبل للتعامل مع هذا الوضع. ولعل المعضلة التي تواجه المشرعين الأميركيين عند بحث أوضاع هذه الشركات، وكلها أميركية، هي تنظيم عملها بشكل لا يضعفها ولا يؤدي إلى تراجع نموها، خاصة وأنها توفر الكثير من الوظائف في سوق العمل الأميركي، وفي نفس الوقت تضمن منافسة أفضل في الأسواق. وهناك الكثير من الاقتراحات في هذا المجال، فهناك من يطالب بإصدار قانون يمنع شركات تكنولوجيا المعلومات من شراء المنافسين المحتملين بشكل لا يتكرر معه شراء شركة فيسبوك لكل من موقع إنستغرام وتطبيق واتس آب، وهناك من يطالب بتقسيم كل شركة من هذه الشركات العملاقة إلى عدة شركات بهدف تخفيض مخاطر سيطرتها على الأسواق، وهناك من يطالب بأن تتحمل مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، مسؤولية ما ينشر عليها من قبل المستخدمين بحيث تمنع بث أي محتوى يحض على التطرف والكراهية، وتقوم بحذفه على الفور إذا تم نشره. وهناك اقتراح في الكونغرس بإلزام هذه الشركات بأن تتعامل مع الأخبار بنفس القواعد التي تنطبق على وكالات الأنباء والصحف. وكل هذا في السوق الأميركية، أما خارجه فهناك عداء أوسع للنفوذ الهائل الذي تتمتع به شركات تكنولوجيا المعلومات، ومحاولات أكثر شراسة للتصدي لها خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي والصين. ومؤخرا قال الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون إنه سيعمل على إصدار تشريع لمواجهة نشر الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في تحرك مشابه لما قامت به ألمانيا من إصدار قانون في أكتوبر 2017 يلزم هذه المواقع بحذف أي أخبار كاذبة خلال 24 ساعة وإلا تعرضت لغرامات ضخمة. وتبحث الصين إصدار قانون يجبر أي شركة تعمل في السوق الصينية على الاحتفاظ بكل بياناتها عن المستهلكين الصينيين في قواعد بيانات صينية. ومن المنطقي القول إن العداء لشركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية سيتصاعد في أوروبا والصين وروسيا لأنها لا يمكن أن تقبل أن تسيطر هذه الشركات على أسواقها وأن تحتكر البيانات عن مواطنيها، في الوقت الذي يذهب فيه كل ما تحققه من نمو وأرباح إلى السوق الأميركية. لكن حتى في السوق الأميركية هناك دعوات كثيرة إلى تغيير الوضع القائم لهذه الشركات.
مشاركة :