سوريا: ضجيج تيلرسون ودهاء لافروف ـ

  • 1/26/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ينظر بوتين بعيدا في مقاربته السورية وفي خلفية رؤاه الاستراتيجية خريطة كبرى تحسب موقع بلاده في العالم من خلال التفصيل السوري. لا يرتبط مصير نظام سوريا بمصير النظام الروسي وزعيمه فيما أن مصير هذا النظام مرتبط بشكل مباشر بحاضر النظام في إيران. وقد تحتمل طهران مظاهرات تندلع في مدن البلاد لكنها لن تحتمل تطورا مشؤوماً يقوّض من نفوذها السوري. بنفس الصبر والأناة التي يقارب بها بوتين دور إيران داخل يوميات الحرب في سوريا أطل بوتين على التطوّر التركي الأخير في شمال البلاد. وفّرت موسكو الغطاء السياسي واللوجيستي الذي توده أنقره لإطلاق "غصن الزيتون" ضد "قوات حماية الشعب" الكردية في عفرين. عرف الأكراد حقيقة ذلك فراحوا يصبّون جام غضبهم ضد موسكو التي "طعنتهم في الظهر والتي لولاها لما تجرأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المغامرة بدفع قواته صوب عفرين". يغضب الأكراد من روسيا ولا يغضبون للمفارقة من الولايات المتحدة الحليف الكبير لهم عن تلك المواقف الباردة التي ناورت ما بين "القلق" و"التحفظ" بما يكشف عن ضوء أخضر أميركي واضح أتاح لأنقرة عدم التردد في ما تريثت به كثيرا قبل الإقدام عليه. يتحدث ريكس تيلرسون عن تفهّم للهواجس التركية ويتطرق إلى حق أنقرة في الدفاع عن حدود البلاد وردّ الأخطار عنها. يؤيده بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني في ذلك على نحو يفضح طبيعة المداولات العسكرية والدبلوماسية التي نشطت في الساعات الأخيرة قبل إطلاق الحملة التركية، وعن زيف التصريحات النارية التي أطلقها الأتراك ضد موسكو وواشنطن. تترك موسكو لأردوغان اللعب داخل حيّز محسوب لا يؤثر على فوقية النفوذ الروسي في سوريا. تدّعي واشنطن أن عفرين ليست من ضمن خرائط عملياتها بما يؤكد لكافة أطراف الحرب في سوريا، بما ذلك تركيا وروسيا، حقيقة الخرائط التي تعتبر أنها باتت تشكل الأمر الواقع العملياتي الأميركي الذي سيوفّر أرضية لما أعلنه تيلرسون عن بقاء للقوات الأميركية في هذا البلد. يسهل للمراقب أن يتأمل كمّ التحولات التفصيلية الجارية في إدلب وعفرين وشرق الفرات والغوطة بالقرب من دمشق. ويسهل لنفس المراقب أن يستنج أن تلك التحولات لا تغير كثيرا من المشهد الكبير، وأن مصير سوريا أضحى يرتبط بأجندات أعقد من سقوط عفرين أو مقاومة الغوطة ودخول وانسحاب قوات النظام السوري إلى/ومن مطار أبو الظهور. والواضح أن تلك الجراحات لا تبدل كثيرا من خطوط الحرب بل "تصوّب" ما هو ضبابي في حدود دوائر النفوذ الميداني والتي قد يتم التعايش في ما بينها طويلا قبل أن يلوح أي توافق يفضي إلى تبيان أعراض المشهد السوري المقبل. ستستمع روسيا إلى ما يحمله تيلرسون في جعبته والذي جرى محضه بـ "بركة" أوروبية محتملة. يعرف لافروف الأجواء الدولية الجديدة. استنتج رجل الدبلوماسية الروسية بعضا من هذه الأجواء في الاستماع إلى نصر الحريري وصحبه الذين زاروا نيويورك والتقوا، إضافة إلى الامين العام للأمم المتحدة، مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى قبل أن يكملوا جولتهم في عواصم أوروبية. استنتج لافروف لهجة الحريري وصحبه واستنتج منها ما سمعه هذا الوفد في العالم. روسيا تظهر مرونة وتهيبا من العاصفة الجديدة التي تهبّ من الغرب. ستعمل موسكو على المضي بسوتشي مطمئنة إلى فشل آخر سيتحقق في فيينا. وفي موسكو، وفي الكرملين بالذات، من يؤمن أنه مهما أمطرت الغيوم التي تكثّفت وتنوّعت فوق سوريا، فإن خراجها عنده.   محمد قواص صحافي وكاتب سياسي

مشاركة :