احتمال وارد كما قال بعض المراقبين للشأن الإيراني المتعدد السلطات الثيوقراطية المستقوية في صراعها غير المعلن عن بسط السطوة الخاصة بكل مؤسسة ثيوقراطية ستبدو الحوزات فيها معاهد تفريخ نشطة للموالين لهذه السلطة الثيوقراطية أو تلك. وهو صراع قديم كان بين المدارس الشيعية الحوزوية اتخذ في إيران خميني وما بعد خميني طابع الصراع على السلطة وبسط الهيمنة في إيران بعد إخضاعها لحكم ولاية الفقيه. والحرس الثوري الذي «اخترعه» الولي الفقيه بوصفه الذراع الضارب والقوة الباطشة بكل من يحاول المس بالولي الفقيه أو الخروج عن طاعتها المطلقة وغير المشروطة. هذا الحرس وخلال ثلاثة عقود أو ما يزيد عنها اكتسب سطوته الخاصة به كمؤسسة عسكرية لا تخضع لقوانين وأنظمة المؤسسات العسكرية الأخرى، ما عزز إلى حدٍ كبير من دور قياداته حتى صارت زعامات تحسب حسابها وتطلب رضاها مراكز القوى المتصارعة بما فيها الولي الفقيه نفسه الذي «اخترعها» لحمايته وحماية سلطته وسطوته، فأصبحت خطراً شخصياً يهدد بتقليص أو حتى سحب تلك السلطة والسطوة تمهيداً للتفرد بالسلطة ذات يوم لا يستبعده المراقبون. فالحرس الثوري على سبيل المثال في سطوته ونفوذه داخل التركيبة الحاكمة في إيران «تجاوز اختصاصاته، وانتهك الدستور عبر الاضطلاع بدور مركزي في اختيار خليفة المرشد»، كما لاحظ الكاتب بشير عبدالفتاح، وهي ملاحظة يمكن تعزيزها حين نستعيد دور الحرس الثوري في الدفع بالمتشدد ابراهيم رئيسي لخوض انتخابات الرئاسة ضد روحاني الذي قيل إن خامنئي انحاز لانتخابه وفوزه على رئيسي ليس «حباً» فيه وميلاً إليه ولكنه خشي من وصول مرشح الحرس الثوري ما يمهد لخلعه أو تنصيب رئيسي ولياً فقيهاً ومرشداً عاماً بعد موته المهدد بالمرض العضال الذي ينهش جسده دون ان يكون له دور في اختيار خليفته. والحرس الثوري مازال مستمراً في بسط سيطرته ومد نفوذه القوية للاستيلاء وإدارة العديد من المؤسسات الاقتصادية، بحيث يضع يده وبالنتيجة يضع الشريان الاقتصادي الإيراني تحت نفوذه بما يسهل له الوصول إلى صنع القرار بلا منازع، وإلى الوصول إلى سدة الحكم حين يحين الحين. والحرس الثوري حسب بعض الإحصاءات الاقتصادية المعنية بإيران يسيطر على 50% من الاقتصاد الايراني الكلي، وهي سيطرة لا تنافسها سيطرة أي مركز من مراكز القوى الايرانية، وتضيف تلك الإحصاءات أن 95% من المشاريع الحكومية والشركات والمؤسسات تتبع الحرس الثوري والمرشد الأعلى خامنئي. هذا الصراع الفوقي تحت خيمة الثيوقراطية التي تجمع كل أطراف الصراع السلطوي وبسط النفوذ لاشك ينعكس سلباً على حياة ومعيشة المواطن الإيراني البسيط وغير المعني بهكذا صراع بين أجنحة ثيوقراطية لن تجد حسب تكوينها سوى الايغال في القمع والتنكيل لإظهار قوتها واستعراض عضلاتها على الشعب وعلى خصومها في السلطة حين تستقوي بما تملكه من عتادٍ وسلاح وأجهزة للوصول إلى الهدف موضع الصراع الضاري بين مثل هذه الأنظمة. غياب الديمقراطية والاستعاضة عنها بالقوة العسكرية وترسانات السلاح ومصانعه أصاب أول ما أصاب المواطن الايراني الذي خابت آماله وانحدرت أوضاعه في جميع أطراف مراكز القوة، ولم يعد أي منها محل رهانه. والانتفاضة الشعبية التي عمّت معظم مدن ومحافظات إيران مؤخراً هي النتيجة الطبيعية لهذه الخيبات الشعبية في نظامه بعد أربعة عقودٍ عجاف، تفاقم فيها الصراع بين مؤسسات المصالح الكبرى على حساب حياة المجتمع الإيراني الذي ثار يوماً على مركز ديكتاتوري واحد لتتناسل بعد «ثورته» مراكز ديكتاتورية فرضت سطوتها وبسطت هيمنتها باسم «المقدس» هذه المرة، وكم من الجرائم ترتكب باسم «المقدس».
مشاركة :