ما زالت النخب العلمية في قطاع الطب البيطري بالمملكة متعالين تماما عن كل فرص تهيئها ظروف الوقت لتغيير تلكم المفاهيم المجتمعية عن هذا القطاع الحيوي، والتي لا تزال حتى الساعة لدى الكثير دون المفروض مقارنة بمثيل الصورة التي تحملها مجتمعات الغرب المتقدم علميا عن الطب البيطري وعن أطبائه النخب الذين تجلهم تلكم المجتمعات أيما إجلال. لسنا نود أمراضا منتقلة للإنسان من الحيوانات والطيور وبعضها شديد الضراوة قاتل، لكن والأمر قد وقع وفِي أكثر من مناسبة، وأخذ الشعب جميعه يتلهف لمعلومة هنا وهناك كيما تشبع جوعته لمعرفة عن هذه الأمراض التي تمت لقطاع يكاد لا يعرف عنه شيئا، فإذا به تمر الأزمة تلو الأزمة ولا يجد من علماء هذا القطاع في كل تخصصاته الدقيقة، والذين تجد جلهم في جامعة الملك فيصل بالأحساء من يتصدى لفريضة الوقت فيستغل الأحداث ليبرز الوجه الحقيقي لهذا القطاع من خلال وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمقروء والمسموع. تعجب والله من كثير منهم أن يكون أفنى عمره وهو ذو تخصص دقيق يقام له ويقعد في غرب وشرق متقدم، وقد شارف التقاعد ولم يكن له إسهام ملموس في مجالس عامة وشعبية في إبراز دور التخصص في صيانة المجتمع البشري من جراثيم فيروسية وبكتيرية وطفيلية وفطرية، وسموم تنتقل إليه من الحيوان والطير وكيف أن الطبيب البيطري صِمام أمان وأنه على ثغر للصحة عظيم. إن الطبيب البشري لفي شقاء لو أن الطبيب البيطري تخلى عن دوره الوقائي، لذا فمن البداهة أن يعنى بهذا الرجل وأن يعطى قدره معنويا. كنت في مهمة علمية في لندن وقد أخذني الحوار مع سائق التاكسي اليوناني الأصل، ولم أكد أنهي جملة أنني طبيب بيطري حتى راعني منه ارتفاع صوته، وقد اكتسى وجهه دهشة وروعة عجبت منها وزاد العجب اتساعا في داخلتي حين قال: طبيب بيطري!!؟. هذا الإعجاب بهذا التخصص ذكرني بموقف آخر في بدايات حياتي العملية يوم كنت حينها مديرا للمختبر التشخيصي البيطري بالأحساء، وكان في زيارة لنا أستاذ بريطاني استدعته وزارة الزراعة يومها لإبداء مرئياته حيال تطوير قطاع المختبرات، وكانت الدولة يومذاك حديثة العهد بهذا التخصص، هذا الأستاذ البريطاني قال لي ونحن في جولتنا على المختبر: هل يعامل الطبيب البيطري عندكم كما يعامل عندنا في بريطانيا!!؟ ولما كنت لا أدري كيف يعامل عندهم كان الرد الطبيعي: وكيف يعامل أولا عندكم!؟ هنا جاءت المفاجأة يوم قال: إذا مر الطبيب البيطري بقوم جالسين قاموا له احتراما وتقديرا! هنا استدرت نحوه وبابتسامة ذات مغزى لعله فهمها إن كان لماحا: كل شيء سيتغير حتى العقول everything will be changed even minds. المعهد البريطاني العريق والمختص بدراسة الجراثيم على المستوى الجزيئي، والذي يعد من المراكز المعدودة على أصابع اليد الواحدة على مستوى العالم في هذا التخصص كان يرأسه عالم فذ كان خريج علوم بالأساس، وبرغم علمه الذي عرف به عالميا وهو الأعلى في جزئية فيه، يقول لي أستاذ صاحب له إنه لو طلع السماء بذيله ما بلغ عندهم مكانة الطبيب البيطري. لك أن تتخيل هذه المكانة العظيمة للطب البيطري في تلكم المجتمعات العريقة علما وصناعة في حين هي عندنا لم تزل تراوح مكانة الصورة الساذجة المرتبطة بكلمة «حيوان»، ولست تلوم مجتمعا لا يعرف العلم هذا لكن تلوم أناسه الذين تخصصوا فيه وبرعوا في جزئياته الدقيقة، وعلموا أبعاده التي باتت تدخل في تفاصيل صحة الإنسان لكنهم قعدوا عن التعريف به، والإسهام في تثقيف المجتمع إسهاما يوازي الدور الذي يقوم به المختص فيه ومكانته التي يحتلها في غرب وبعض شرق متقدم.
مشاركة :