بعد أن هلَّل المهللون لقرار إلغاء سقف الاعتماد على التحكيم الأجنبي في مسابقاتنا، وباركوا القرار كثيرًا، اكتشف هؤلاء فجأة أن حضور الحكام الأجانب لم يكن كافيًا لإيقاف الأخطاء التحكيمية التقديرية التي تشهدها المسابقات السعودية، شأنها شأن أي مسابقة أخرى في العالم، فيا تُرى ما هي الأسباب؟ أخطاء طبيعية للأسف كان الكثيرون يطالبون بالحكم الأجنبي معتقدين أنه بلا أخطاء، وعندما عاشرناه عن قرب لمدة 10 جولات، اكتشفنا أنه يقع في الأخطاء أيضًا، مثل الحكم السعودي، ويصل الأمر إلى حد الأخطاء الكبيرة المؤثرة على نتائج المباريات، وبالتالي ربما مصير المسابقة بأكملها، وذلك يأتي لنفس الأسباب التي تشهدها كل مسابقات كرة القدم في العالم، وهو التقدير، فهذا الحكم بشر، وهو وحيد يجري بين 22 لاعبًا، بمعاونة مساعدين يتابعان من على خطوط التماس، إلى جانب حكم رابع خارج الملعب، ومع تطور اللعبة وارتفاع مستوى اللياقة البدنية وكثرة الاهتمام بأدق التفاصيل، بما فيها كيفية اكتساب الأخطاء، وتطور النقل التليفزيوني، وجد الحكام السعوديون أنفسهم محاصرين بالأخطاء، مثلهم مثل حكام الدوريات الكبرى الإسباني والإيطالي والألماني والفرنسي والإنجليزي وغيرهم، فما يرتكبه الحكام السعوديون من أخطاء يحدث أضعافه في هذه البلدان، والمتتبع الدقيق لهذه البطولات يدرك ذلك. فرز أول كثر الحديث عن الحكمين الصربي ميلوراد مازيتش، والسويدي جوناس إريكسون، خلال الأيام الماضية، ومن المؤسف أن تُنسب أخطاؤهما كما حاول البعض تصويرها، لضعف إمكاناتهما أو لأنهما حكمان مغموران وغير ذلك، فالثنائي يعد من أفضل حكام القارة الأوروبية والعالم خلال الفترة الحالية، وحدوث الأخطاء منهما لأنهما باختصار «بشر» خانهما التقدير أو الموقف في قرار ما، فمازيتش مثلًا يبلغ من العمر 45 عامًا، ولديه سجل حافل وكبير جدًا على المستوى الأوروبي، ومن يشكك في قدراته قد لا يصدق لو تم استعراض تاريخه الدولي، وآخر مبارياته مثلًا في دوري الأبطال كان لقاء برشلونة ويوفنتوس في نوفمبر الماضي، وشارك في مونديال 2014، وأدار السوبر الأوروبي، ونهائي كأس القارات بين ألمانيا وتشيلي، وغيرها من عشرت المباريات الصعبة على مستوى المنتخبات والأندية، أما إريكسون فأصغر منه بعام واحد فقط، ولا يقل عنه مسيرةً وتاريخًا، وشارك أيضًا في مونديال 2014، ولديه عدد كبير جدًا من المباريات الدولية الصعبة، ومن ينسى مواجهة ريال مدريد ويوفنتوس في نصف نهائي دوري الأبطال موسم 2015 –2016، إذن كيف يصف البعض اختيار هذا الثنائي على أنه مثال لضعف الحكام الأجانب المستقطبين للدوري السعودي؟ غياب المقيمين إنه من الغريب جدًا ذلك القرار الصادر باستبعاد مقيِّمي الحكام من المباريات التي يقودها الحكام الأجانب، فمباريات الدوري السعودي الآن ربما تكون الوحيدة على مستوى كل مسابقات العالم التي لا يتواجد فيها مقيمون للحكام، ولا شك أن الاتحاد السعودي لكرة القدم مطالب بتصحيح الأمر وإعادة المقيِّمين لمباريات هذه المسابقات، فمن المستحيل أن يكون إبعادهم لسبب مادي، كون مكافأة المقيِّم لا تتجاوز 1500 ريال، وحاجز اللغة غير منطقي وغير وارد لسببين بسيطين: 1 - أن هناك من المقيِّمين السعوديين من يجيد اللغة الإنجليزية، ويُكلَّف بتقييم أداء الحكام في مباريات دولية عديدة على مستوى المنتخبات والأندية. 2 - أن مرافق الحكام الأجانب الذي يتم تعيينه لمرافقتهم، يجيد الإنجليزية، ويُمكن أن يقوم ببساطة بمهمة الترجمة بين الحكام والمقيِّم في المحاضرة الفنية التي تلي المباراة، ولا تتجاوز الدقائق العشر. وهناك معلومة بسيطة يمكن إيرادها عن إحدى الدول التي تستعين بحكام أجانب لمسابقاتها، مع ذلك تفرض على الطاقم الأجنبي عدم المغادرة حتى يحضر النقاش الفني في اليوم التالي بمقر الاتحاد، فأي حكم مهما كان اسمه وجنسيته وتاريخه يجب أن يتم مناقشته فنيًا في قراراته. أين حكامنا؟ بعد المقيِّمين، حان وقت التساؤل عن حكامنا، ما خطط وبرامج الإنجليزي مارك كلاتينبرج تجاههم؟ وماذا أعدَّ لهم؟ وفي هذا الخصوص هناك 5 تساؤلات بحاجة إلى إجابة: 1 - هل تمَّ الاستفادة من الاتفاقيات الموقَّعة مع بعض الدول بالتعاون في المجال التحكيمي، فحضر حكامهم لنا وغادر حكامنا لقيادة مباريات في هذه البلدان؟ 2 - هل هناك خطط واضحة تخص الحكم المحلي للعام المقبل والذي يليه؟ ومن يتم تصعيده ومن يتم إبعاده ومن يتم مراقبته عن كثب والاهتمام به؟ ومن يجب أن يُطلب منه التوقف عند هذا الحد؟ 3 - ما مصير العشرات من المواهب التحكيمية الشابة في المسابقات الدنيا؟ وإلى أين سيمضي قطار أمانيهم؟ وهل يتم هدم عمل تراكمي استمر لسنوات؟ 4 - هل حان الوقت لتكوين دائرة تحكيم خاصة برابطة دوري المحترفين توقِّع مع هؤلاء الحكام عقودًا يزاولون بموجبها التحكيم في المسابقات التي تتبع الرابطة وتتولى متابعتهم الدقيقة جدًا داخل الملعب وخارجه، مع تكوين لجنة حكام مساندة تختص بباقي المسابقات وتساهم في وضع خطط وبرامج تطوير وتصعيد واضحة؟ 5 - هل تم تحديد الطرق والأساليب المناسبة لتوفير الدعم الكافي والحماية اللازمة للحكام من الضغوط التي تمارس عليهم؟
مشاركة :