من الأمور المسلية، الاستماع إلى أحاديث كبار السن وكيف أنهم لم يتوقعوا هذه الثورة التقنية التي حدثت بين ليلة وضحاها ونقلت الناس من الحقيقة إلى الخيال، ومن الواقع إلى الافتراض، ومن المسكنة إلى سرعة التنقل. تخيل معي أنك تعيش في القرن السابع عشر، وجاءك أحدهم وسألك: هل من الممكن أن أذهب من الدرعية إلى مكة في غضون يوم واحد؟ إجابتك بالطبع ستكون مستحيل. واطرح على نفسك في غضون تلك الجلسة، كم من الاستحالات التي وزعتها على الناس ثم أصبحت من الممكنات؟ مدينة القسطنطينية كانت عصيبة ومن الاستحالة أن تُفْتَح في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ولا من بعده؛ لطول جدرانها ومكانها الاستراتيجي حيث لا يُسمح بأي عملية اختراق أن تكدر صفوها، فقال رسول الهدى لأصحابه: (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش)، بالطبع إن كانت هذه المقولة صادرة من غيره، فكلمة “مستحيل” لن تكون غائبة عن المجلس. عباس بن فرناس الذي وُصِف بالجنون في زمانه إثر محاولاته الطيران، ووسم بالسذاجة، إذ كيف يطير وهو أمر مستحيل في زمانه، وكل من اخترع شيئاً بالتأكيد أنه سمع الاستحالة مرات عديدة. يصعب على الإنسان تحديد نطاق الاستحالات، فكلما استحال شيء على الإنسان، صار ممكناً بعد زمن، وعموماً يمكن القول بأن الأشياء الجديدة على الناس تدخل في دائرة استحالاتهم، فلو قال لك شخص: بإمكانك أن تقرأ ١٠ كتب كبيرة الحجم في غضون خمسة أسابيع. الأمر مستحيل على من يعرف الكتب إلا على مقاعد الدراسة فقط، بالمقابل أنه يسير على البعض. لكن هل هناك فرق الاستحالة وعدم الواقعية؟ في نظري الأشياء المستحيلة بإمكانك فعلها لكنها صعبة وعسيرة تحتاج الكثير من الجهد والمثابرة، واللاواقعية خارج نطاق قدرة البشر: كتقريب الشمس، وتغيير مسار الأرض وغيرها. هناك عظماء بلا مدارس، وعظماء جاؤوا من الفقر، وعظماء لم يلقوا بالاً لمعاناة فقدان الأعضاء، وعظماء عانوا من الألم لكن كانوا متحلين بكثير من الأمل، واختراعات لم يتوقع أحد (حتى الجن في ذلك الوقت) أن ترى النور، واكتشافات غيرت مجرى الحياة المعتاد. المستحيل هو أمر يُتوقع حدوثه، والاختراعات التي في طور التطوير من القدرة على الشفاء من كل الأمراض (باستخدام الفيزياء الحيوية) حتى التنقل بسرعة الضوء أكبر دليل أن المستحيل هو أمر مستحيل الجزم. المستحيل كذبة، نحن من نصنعها ونحن من يصدقها! في النهاية: برأيك، إلى أي مدى ستصل الاكتشافات؟
مشاركة :