الديمقراطية وتجديد إشكاليات اليسار العربي

  • 1/28/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كمال الجزولي في مقالة سابقة تناولنا صورة اليسار العربي من خلال ما يسمى «الربيع العربي»، وخلصنا إلى ضرورة تجديده للكثير من إشكالياته. وفي هذه المقالة نعرض لواحدة من أهمها، وهي موقف هذا اليسار من «الديموقراطية وحقوق الإنسان». وحيث إننا لا نستطيع، بطبيعة الحال، أن نحيط، هنا، بكل قضايا هذه الإشكالية، فإن غاية ما نطمح إليه هو إضاءة أبرز مداخلها، علماً أننا نستخدم مصطلح «الإشكالية»، لا كرديف للفظ «مشكلة»، حسب الخطأ الشائع، وإنما بدلالة الأطروحة النظرية غير المكتملة. هكذا، فإن أولى الخبرات التي تتبادر إلى الذهن، عند تناول هذه الإشكالية، هي، من ناحية، خبرة المعسكر الاشتراكي السابق، وفي المقام الأول خبرة الاتحاد السوفييتي، وبلدان الديموقراطيات الشعبية في شرق أوروبا والصين؛ ومن ناحية أخرى خبرات برامج الأحزاب الماركسية العربية، فضلاً عن تجارب الأحزاب العروبية المتأثرة بالماركسية، في السلطة وخارجها. ولما كان لأغلب هذه الخبرات جوانب إيجابية تمثلت في ما حققت لشعوبها من مكاسب مادية، وأخرى سالبة تمثلت في حرمانها، نفس هذه الشعوب، من الحريات العامة والحقوق الأساسية، فإن صعوبات التنمية الاقتصادية، بسبب غياب البنيات التحتية، وضعف التطور التكنولوجي، خصوصاً في البلدان التي وصلت فيها الأحزاب العروبية «القومية» إلى السلطة، قد قضت بأن يقتصر التأثر، هنا، على غلبة النهل من الجوانب السالبة، دون الإيجابية. على أن جدلية «التأثير والتأثر» لا تعني انكفاء «المتأثِّر» (بالكسر) على النقل الكربوني من «المتأثَّر به»، مما يعرض علاقات «الصغير» و«الكبير» لمخاطر علاقات «التابع» و«المتبوع»؛ أي الانزلاق من ربوة «الاستقلالية» و«الاقتداء» إلى سفح «الانقياد» و«التقليد»! ومن أهم أسباب ذلك غياب مناهج الديموقراطية السياسية، وما يستتبعه من قمع تشنه، غالباً، للمفارقة، حتى أنظمة الأحزاب العروبية «القومية» الحاكمة، مستندة إلى عصا «الثورية»، ضد غيرها من الأحزاب، خصوصاً الماركسية! ولا نحتاج إلى فانوس ديوجين لنضيء، في هذا الجانب أحد وجوه «الاتباع» الحرفي لخبرات الأحزاب الشيوعية في البلدان الاشتراكية! على أن المفارقة تبلغ أوجها حين تتعرض الأحزاب العروبية «القطرية» لنفس المصير بسبب القمع الشمولي في بلدانها، فتبدأ في استشعار حاجتها الملحة إلى ديموقراطية الحريات والحقوق «الليبرالية»، بل وللاستقواء على الأنظمة القمعية بالأحزاب العروبية «القومية» الحاكمة في بلدان أخرى! وقد يبدو أنه ليس أيسر، في سبيل ذلك، من «استتباع» الأحزاب «القطرية»، تنظيمياً، للأحزاب «القومية»، لا سيما وأن هذه الوضعية لا تعدم تبريرها العقدي ضمن البنية الإيديولوجية لهذه الأحزاب، باسم الوحدة العربية والمصير المشترك! سوى أنها تفرض على الأحزاب «القطرية» تفادي أي نقد لغياب الديموقراطية في البلدان المحكومة بالأحزاب «القومية»! لكن، ولأن التعميم، هنا، غير مجدٍ، فإن الموضوعية تقتضي استثناء تجربة «حزب البعث السوداني»، مثلاً، المنشق، منذ 1997م، عن «حزب البعث العربي الاشتراكي القطر السوداني»، حيث لم تعد حاكمة، في هذا النموذج، إيديولوجية «قومي قطري» القديمة! أما في اليمن الجنوبي «سابقاً»، فقد اتخذت التجربة شكل اندغام حزب البعث «القطري» في التنظيم «الجبهوي» العريض خلال حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، ثم انتهى، بعد الاستقلال، إلى الذوبان داخل الحزب الاشتراكي «الماركسي» الذي حكم عدن، لاحقاً، قبل الانهيار الدراماتيكي لتجربته! كذلك تحول «اقتفاء» التجربة السوفييتية أو الصينية، لدى الأحزاب الماركسية في المنطقة، إلى محض «تقليد» يستتر خلف شعارات «الأممية». على أن الموضوعية تقتضي، هنا أيضاً، استثناء بعض هذه الأحزاب، كتجربة «الحزب الشيوعي السوداني»، مثلاً، والذي مكنته نشأته، مع خواتيم الحرب الثانية، باستقلال عن الحركة الشيوعية العالمية، من نقد التجربة السوفييتية، وهو، بعد، في طور الحلقات الماركسية الباكرة حين أفصح بعض قادته، مثلاً، عن عدم اتفاقهم مع إهدار الحريات الفردية. كما مكنته تلك النشأة، أيضاً، بعد تكوينه في صيف 1946م، من اتخاذ كثير من المواقف الناقدة والمفارقة للمعتمد من خطوط الشيوعية العالمية. من عناصر الإشكالية، أيضاً، أن معظم اليسار في المنطقة، ظل يعول على النقل من المنتج النظري للمعسكر الاشتراكي، والذي لا يسد حاجته إلى فهم واقعه المحدد، مما شكل نقطة ضعفه الأساسية على صعيد «العامل الذاتي» الذي لا طائل من اكتمال «العامل الموضوعي» بدونه! فاقم من هذا الضعف نزعة الهيمنة الإقصائية، وبناء التحالفات على استتباع مركز واحد لبقية المراكز، بدلاً من البحث عن القواسم، وتأسيس التحالفات على شرط «الديموقراطية» وسط الجماهير، وتطويرها باستقلال الحلفاء، وتشاورهم المتكافئ.kgizouli@gmail.com

مشاركة :