الجنرال ثلج، قاهر جيوش نابليون وهتلر، والحائط الأقوى لروسيا الذي صدّ زحف أعدائها على مدى العصور، تلقى في هذه الأيام هزيمة كبرى أطاحت سمعته الطاغية. ففي 21 إقليماً روسياً، توقفت الدراسة، وأُصيبت حياة المصانع والمعامل بالشلل، وأُلغيت مئات الرحلات الجوية. لا طائرات أقلعت، ولا سيارات قادرة على الحركة. ونشرت السلطات وحدات طوارئ في عشرات المدن بعدما وصلت درجات الحرارة الدنيا في بعضها 55 تحت الصفر. وموجة البرد القارس التي ضربت أميركا الشمالية وبلداناً أوروبية، جاءت هذا العام قاسية أيضاً حتى بالنسبة إلى مناطق اعتادت الصقيع، إذ ضربت مساحات شاسعة في روسيا، ودفعت السلطات إلى إعلان حال الطوارئ في بعضها. ومن إقليمي بريموريا وأمورسك في أقصى الشرق، مروراً بسهول سيبيريا ومدنها المتجمدة، وصولاً إلى الأورال وسط البلاد، تدنّت درجات الحرارة إلى معدلات لا سابق لها منذ سنوات، وصلت إلى ستين درجة مئوية تحت الصفر في بعض المناطق، بينما حافظت على مستويات «متوسطة نسبياً» في مناطق أخرى، إذ تراوحت بين 50 و56 درجة تحت الصفر. أدى ذلك إلى تعليق الدراسة لحوالى 400 ألف تلميذ، وتعطُل دوائر العمل والمصانع، وأصيب عدد من الأقاليم بحال من الشلل، إذ لم تعد حركة السيارات متاحة، كما تعطلت الحركة الجوية، ما دفع إلى الاعتماد كلياً على شبكة سكك الحديد فيها. وأعلنت وزارة الطوارئ تدابير مكثفة لمواجهة الموقف، بينها نشر 1500 مركز للمساعدات العاجلة في الأقاليم المتجمدة، وفرزت 124 ألف شخص يعملون مع 40 ألف آلية وعربة، بينها كاسحات ثلوج لضمان عدم انقطاع الطرق أمام وحدات الإنقاذ والتدخل السريع إذا دعت الحاجة في بعض المدن الأكثر تضرراً من موجة البرد. لكن هذه الأجواء دفعت كثيرين من الروس إلى تحدي الطقس السيئ والثلوج المتراكمة، إذ أطلق عدد من المراكز الرياضية في مناطق الشرق الروسي برامج وفاعليات شعبية واسعة وغير معهودة في ظروف مماثلة. وسرعان من انتشرت لتعم غالبية الأقاليم، وجذبت آلاف المشاركين الذين وجدوا فيها فرصة «ليس فقط لمواجهة صعوبة الطقس بل لإثبات القدرة على ممارسة هواياتنا المحببة في أسوأ الظروف»، وفقاً لأولغا براسكوفا، مديرة مركز رياضي في مقاطعة بريموريا. وأكدت أن الفاعليات بدأت بتنظيم سباقات الجري الجماعي، ثم تعددت لتربط بين الرياضة والفنون المختلفة، كما حدث في سباقات جماعية أيضاً لالتقاط الصور الفوتوغرافية. وسرعان ما اتسعت هذه الفاعليات لتشمل الرحلات الليلية مشياً على الأقدام، أو حفلات الشواء في الطبيعة الباردة التي غدت موضة جديدة جذبت كثيرين. وقال مدير أحد النوادي الرياضية في أمورسك أن الحماسة التي أظهرها آلاف شاركوا في نشاطات مماثلة في مقاطعة أمورسك أكدت أنه «لا يمكن أن تهزمنا درجات حرارة تبلغ 50 تحت الصفر، والطقس ليس سيئاً جداً، لقد اعتدناه».
مشاركة :