تحويل المحميات الطبيعية في مصر إلى أماكن جذب سياحية تبحث الحكومة المصرية عن حلول غير تقليدية لتستعيد بها السياحة عافيتها بعد فترة طويلة من التدهور، وبدأت عملية مكثفة لاستثمار المحميات الطبيعية التي تمتاز بمناظر خلابة وتحتوي على مقومات جذابة، لتكون ملاذا للسائحين القادمين من الخارج.العرب [نُشر في 2018/01/28، العدد: 10883، ص(16)]رغم نقص الاهتمام هناك إقبال القاهرة – تعمل الحكومة المصرية جاهدة منذ 6 سنوات لمعالجة تدهور الأوضاع السياحية، من خلال تشجيع المستثمرين وخلق منتجعات سياحية مناسبة، وصولا إلى فتح الاستثمار المستدام داخل المحميات الطبيعية. وقد تكون هذه المحميات فرصة لإنقاذ السياحة المصرية التي تراجعت خلال السنوات الماضية، لكنها بحاجة ماسة إلى عمل جاد وتنسيق بين المؤسسات الرسمية. ويأمل خبراء مصريون أن تنجح السياحة في جذب 7 مليارات دولار للعام المالي الحالي، ومن أجل الوصول لهذا الهدف على الحكومة أن تقوم بدور كبير لتوسيع الآفاق السياحية، وأهمها تطوير المحميات لتكون ملاذا للسياح بدلا من الإرهابيين. وتخوض المحميات الطبيعية سباقا طويلا بعد إقرار قانونها في مجلس النواب مؤخرا، وهو الأول من نوعه ويسمح بإنشاء جهاز مختص بها لتطويرها وتأهيلها لخدمة الاقتصاد المصري. وتغطي 30 محمية جزءا كبيرا من مساحة مصر، وتبلغ أكبر المحميات في الصحراء الغربية 43 ألف كيلومتر، وأقل محمية، وهي الغابة المتحجرة وتبلغ مساحتها 6 كيلومترات مربعة.تنشيط السياحة من بوابة المحميات الطبيعية وشرعت الحكومة المصرية في تطوير البنية التحتية للمحميات الطبيعية، وإنشاء فنادق بها وفتح المجال لأنشطة متنوعة لمحبي الطبيعة، واستضافة مؤتمرات، منها مؤتمر “التنوع البيولوجي” الدولي، لتدخل المحميات الطبيعية خطة الدولة لتنشيط السياحة بصورة غير مباشرة، من خلال تنظيم المؤتمرات. ويعتقد بعض خبراء البيئة أن هناك نقطة مفقودة جعلت المحميات الطبيعية بعيدة عن معايير التسويق العالمية خلال السنوات السابقة، ولا تشغل بال المستثمرين كثيرا، فعدد منها يقع في مناطق صحراوية، تستغلها جماعات إرهابية كوكر لها، مثل محمية وادي الريان في محافظة الفيوم (جنوب القاهرة)، وتسبب ذلك في إعاقة الرحلات إلى هذه المحمية لفترة زمنية، حتى قامت الأجهزة الأمنية بتمشيط المنطقة. ومحمية وادي الحيتان، مسجلة في اليونسكو كجزء من التراث العالمي، وتحتوي على أقدم الحفريات بالعالم وتعود إلى أكثر من 45 مليون عام، تكشف عن تحول بعضها من كائنات برية إلى بحرية كالحيتان، بفعل التغيرات المناخية. ويرى مراقبون أن جعل المحميات مركزا سياحيا جذابا يدعم السياحة، يؤدي إلى الاستفادة من المهتمين بالغوص والطيور والنباتات النادرة في الترويج السياحي، فضلا عن القضاء على تمركز المجرمين فيها أو بالقرب منها. وكشفت عمليات ضبط وقتل متطرفين أن الإرهابيين استغلوا مساحات المحميات الشاسعة القريبة من منطقة الفيوم والواحات بالصحراء الغربية لعدم وجود حركة سكانية أو رقابة، وحولوها إلى ما يشبه معسكرات تدريب وأقاموا مخيمات للإعداد لأعمال إرهابية تستهدف رجال الأمن والقضاء والمدنيين. ملفات متشابكة يواجه تطوير المحميات في مصر تحديات متشابكة تكمن في ضعف التواصل والتنسيق بين الوزارات المعنية، لأن وزارة البيئة لا تستطيع تنفيذ خططها ومشروعاتها لأنها تحتاج إلى دعم مالي وثقافي ضخم.مراقبون يرون أن جعل المحميات مركزا سياحيا جذابا يدعم السياحة المصرية، ويؤدي إلى الاستفادة من المهتمين بالغوص والطيور والنباتات النادرة في الترويج السياحي وسعت وزارة السياحة للترويج للأماكن المصرية عالميا من خلال حملات إعلانية عدة، لكنها باءت بالفشل، ولم تستطع جذب عدد كبير من السياح لأنها كانت نمطية ولا تملك القدرة على التسويق لمصر ومعالمها الطبيعية. وتراجعت مؤشرات السياحة المصرية بقوة منذ قيام ثورة يناير، ما أثر سلبا على الاقتصاد القومي، فبعد أن حققت في نهاية عام 2010، 12.5 مليار دولار، وصلت إلى 3.4 مليار دولار بنهاية 2016، وفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهذا ما يحتاج إلى تكاتف الجهود للتصدي لهذه الأزمة. وترى خبيرة السياحة راندا العدوي أن سياحة المحميات الطبيعية تتصدر قائمة المؤشرات السياحية الدولية، وفقا لتقارير منظمة السياحة العالمية، وهو ما يمنح مصر مكانة كبيرة لأنها تزخر بالعديد من المقاصد البيئية التي يتهافت عليها محبو الطبيعة في العالم. وأضافت العدوي لـ”العرب” أن سياحة المحميات الطبيعية قد تكون هي مفتاح عودة “السياسة التسعيرية” للمنتج السياحي المصري والتي لم تتحدد معالمها بعد، وهذا يتطلب جهدا أكثر وتعاونا أوسع بين وزارتي السياحة والبيئة لوضع رؤية مشتركة للترويج لمنتج سياحي فريد مازال يبحث عن إخراجه للنور بشكل تسويقي احترافي. وأوضحت أن هناك اتفاقيات بين وزارتي البيئة والسياحة لتنشيط هذا المجال، لكن ينقصها الفكر الاحترافي في التسويق، ومن الضروري إعادة النظر في زيادة الحملات الدعائية والترويج للمحميات الطبيعية كمقصد مهم في بورصات السياحة العالمية. وحذر معنيون بالبيئة من تحول فكرة تطوير المحميات إلى منتجعات سياحية تخريبية تهدف إلى الاستثمار دون الاهتمام بالإبقاء على تلك المناطق دون تلوث أو انتهاك. وقال محمود سرحان مدير مشروع الاستدامة المالية للمحميات الطبيعية بوزارة البيئة المصرية، إن الهدف الرئيسي لها هو الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية والتنوع البيولوجي بها، وعدم التعدي على المناظر الطبيعية والنباتات النادرة والحيوانات والطيور، مشددا على عدم لفظ الاستثمار حتى لا يتيح للبعض استغلال المحميات بصورة مخالفة. وقررت الحكومة المصرية البدء بمحمية وادي الجمال (على البحر الأحمر) مقتدية بالتجربة الأردنية في تحويل المحميات إلى منتجعات سياحية، بعد أن أشركت المجتمع المدني كجهة رقابية على عمل المستثمرين الراغبين في الاستفادة من المحميات سياحيا. وتشتهر محمية وادي الجمال، القابعة بين سلسلة جبال البحر الأحمر، بمساحتها الشاسعة التي تجمع بين الجبال المكسوة باللون الأحمر والصحراء الناعمة.إقبال السياح على المحميات الطبيعية وتقوم الحكومة حاليا بتطوير مركز الزوار فيها ليصبح معنيا بتنظيم رحلات سفاري لرواد البحر الأحمر وتقديم معلومات للزوار عن مزايا المكان، وإنشاء مطاعم من مكونات الطبيعة. مناظر بديعة تم إعداد برامج لتعريف الزائرين بالمحميات وأهميتها وتوزيع مطبوعات عنها مع عرض أفلام توضح التنوع البيولوجي الفريد بمصر وتوعية الزائرين بسبل الحفاظ عليها، والتأكيد على شعار الزيارات “لا تترك شيئا خلفك ولا تأخذ شيئا معك”. وتتميز محمية وادي الجمال بوجود الطيور المهاجرة بكثرة، التي تبحث عن الهدوء لبناء عشها، وهي تعد ثاني محمية تضم أعدادا كبيرة من صقر الغروب، وهو صقر مهدد بالانقراض، يعيش بوادي الجمال والصحراء البيضاء في مصر. وتقع على بعد 45 كيلومترا من واحة الفرافرة بالوادي الجديد (جنوب مصر)، محمية “الصحراء البيضاء” التي تتشابه مع وادي الجمال في نعومة رمالها وجوها المعتدل، وبها لوحات فنية نادرة من الصخور تكونت على مدار قرون من الحجر الجيري، بعضها يأخذ شكل عش غراب. ويقول مسؤولون إن الحكومة تتعاون الآن مع جمعيات مدنية للمساعدة في الترويج للسياحة والتوعية بأهمية المحافظة على البيئة، ومن ضمن الجمعيات مؤسسة “شباب بيحب مصر” التي نفذت عددا من الحملات لتوعية المواطنين بكيفية التعامل مع محميات الفيوم، وفقا لبروتوكول وقعته مع وزارة البيئة. وتنظم هذه المؤسسة مجموعة من البرامج التثقيفية التي تشجع الشباب على عودة الزيارة مرة أخرى، وتوثيق الأحداث داخل المحميات وتصويرها والتسويق لها في المؤتمرات الدولية، وتقوم بحملات لنظافة محميات البحر الأحمر لضمان حسن المنظر أمام السياح والوافدين. وطالب أيمن القرباوي الخبير البيئي، وزارة السياحة بأن تضع المحميات الطبيعية على خارطتها الترويجية في الخارج، والتنسيق مع وزارة البيئة لتحديد مزايا كل محمية وسبل التسويق لها والسبب الذي يدعو الأجنبي لزيارتها دون غيرها. وأشار القرباوي لـ”العرب” إلى أن تركيز الحكومة المصرية على السياحة الترفيهية طوال السنوات الماضية، هو ما أفقد المحميات الطبيعية بريقها العالمي المعتاد.
مشاركة :