القاهرة - تخطط الحكومة المصرية لضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة سنويا في السوق على مدى الأعوام القليلة القادمة، لكن لم تتضح بعد مدى سهولة استيعاب السوق لها. وتقول السلطات إنها تريد خفض الكثافة السكانية في المدن المصرية المكتظة وتوفير منازل لمحدودي الدخل، لكن كثيرا من المحللين يقولون إن الوحدات السكنية الجديدة مسعرة بأعلى من القدرات الشرائية لمعظم المصريين، وسيظل جزءا كبيرا منها غير مباع. ورغم ذلك، تمضي الحكومة المصرية قدما وتتحرك بكامل قوتها في بناء عاصمة إدارية جديدة تبعد نحو 50 كيلومترا شرقي القاهرة، في مشروع يهدف إلى تسليم 240 ألف وحدة سكنية جديدة على مدى السنوات الخمس القادمة. ودخلت الحكومة أيضا عامها الثاني من خطة مدتها خمس سنوات لتوفير مليون وحدة سكنية مدعمة لمحدودي الدخل. وذكرت تقارير صحفية أنه تم بالفعل تسليم 150 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود وهناك 260 ألف وحدة أخرى قيد الإنشاء. ويوجد العشرات من مشروعات الإسكان الأخرى قيد التنفيذ، يقود الجيش الكثير منها. وثمة نشاط قوي بصفة خاصة على امتداد محور قناة السويس الذي جرى إعلانه منطقة اقتصادية خاصة في جبل الجلالة على خليج السويس وفي العلمين على ساحل البحر المتوسط. وقد تم إنشاء شبكة من الطرق السريعة والشوارع في الصحراء حول القاهرة لتيسير الوصول إلى المشروعات الجديدة خصوصا إلى الشرق باتجاه السويس، تحسبا لتدفق المشترين الذين يسعون للهروب من المناطق المزدحمة في وادي النيل. ويأتي جزء من الطلب على الوحدات السكنية الجديدة من المصريين العاملين في الخارج الذين حولوا ما يزيد على خمسة مليارات دولار إلى مصر في الربع الثالث من 2017 وحده. ومع وصول معدل التضخم السنوي حاليا إلى 22 بالمئة. وفي ظل توقعات ببقائه في خانة العشرات لعدة أعوام على الأقل، يبحث المصريون عن استثمارات تحافظ على قيمة أصولهم. فرص استثمارية جديدة ونظرا لسنوات القيود التي فرضت على تحويل الأموال إلى الخارج، أضحى القطاع العقاري هو المجال الوحيد المتاح أمام معظم المصريين لاستثمار أموالهم فيه داخل البلاد، بعيدا عن سوق الأسهم المحلية الصغيرة أو الحسابات المصرفية التي تدر فائدة. ونتيجة لذلك، يقتنص المصريون الشقق والفيلات في المشروعات الجديدة بالصحراء، واثقين من أن أسعار المنازل لا تعرف سوى اتجاه الصعود في بلد مزدحم يزيد عدد سكانه 2.5 بالمئة سنويا. ويقول المستشار العقاري هيثم خليفة إنه كلما ارتفع التضخم زاد الإقبال على العقارات "بغض النظر عن الطلب الحقيقي والعرض الحقيقي". وهذا الإقبال الكبير على شراء العقارات خلق وفرة هائلة من المساكن، لكن لم يتضح من سيرغب في شرائها أو تأجيرها عندما يقرر الملاك تسييل استثماراتهم، فكثير من المساكن شاغرة حاليا. وتشكل تلك العقارات الاستثمار الرئيسي لعدد كبير من المصريين. واشترى كثير من الأثرياء عشرات الشقق والفيلات تم تأجير بعضها بينما لا يزال البعض الآخر خاليا. وأظهر إحصاء نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أكتوبر/تشرين الأول 2017 أن هناك 13 مليون وحدة سكنية إما قيد الإنشاء أو مستكملة لكنها خالية، مقارنة مع 22.5 مليون وحدة مأهولة. ويشكل الرقمان معا ما إجماله 35.5 مليون وحدة في بلد يبلغ عدد سكانه 96.4 مليون نسمة، بما يعادل 2.7 شخص لكل وحدة. وفي الولايات المتحدة التي يقل فيها عدد أفراد الأسرة عن مصر، ثمة 2.4 شخص لكل وحدة بحسب مكتب الإحصاء السكاني الأميركي. وتظهر مؤشرات على أن مشروعات الإسكان الحكومية الجديدة ستدخل إلى سوق مشبعة بالفعل، خاصة سوق الإسكان الفاخر. انخفاض الأسعار وقياسا بالدولار الأميركي، هبطت أسعار المنازل في مصر بشكل كبير بعدما حررت الحكومة سعر صرف عملتها الجنيه لتنخفض إلى النصف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ويقدر وائل زيادة رئيس شركة الاستثمار زيلا كابيتال أن الأسعار انخفضت إلى نحو 800 دولار للمتر المربع من ألف دولار قبل تحرير سعر الصرف. وقال زيادة الذي كان يعمل حتى وقت قريب رئيسا للبحوث لدى المجموعة المالية هيرميس أكبر بنك استثمار في مصر "هذا شيء لن تخبرك به الشركات أبدا، فهي لن تنزل عن الأسعار المعلنة". وتابع "ما قد تلجأ إليه الشركات هو تخفيض مقدمات الدفع وإطالة فترة السداد ومن ثم فإن السعر الفعلي سينخفض". ويعطي علي علوبة رئيس إيدج لإدارة المحافظ بالقاهرة مثالا على ذلك، ففي نهاية 2013، كان يتطلع لشراء منزل في مجمع سكني شيدته إحدى شركات التطوير العقاري الصغيرة. وطلب البائع حينئذ مليوني جنيه مصري حينما كان الدولار بنحو 6.5 جنيه، بما يعادل 288 ألف دولار آنذاك، على أن يتم سداد دفعة مقدمة نسبتها 15 بالمئة والباقي على أقساط ربع سنوية على مدى أربع سنوات. والآن وبعد مضي أربع سنوات، يطلب البائع أربعة ملايين جنيه (227 ألف دولار) في نفس المنزل، لكن بدفعة مقدمة 10 بالمئة فقط وأقساط ربع سنوية تسدد على مدى ثماني سنوات بدلا من أربع. وفي ضوء معدل تضخم في خانة العشرات في مصر، فإن إطالة فترة السداد خفضت تكلفة الوحدة بشكل كبير. ويقول خبراء اقتصاديون ووكلاء عقارات إن معظم المبيعات تتم في السوق الأولية لأسباب من بينها أن المطورين العقاريين مستعدون لتقديم تمويل في بلد لا يزال فيه التمويل العقاري نادرا، بينما لا تزال السوق الثانوية ضعيفة نسبيا. ويقدر ياسين منصور رئيس مجلس إدارة بالم هيلز للتعمير، إحدى كبرى شركات التطوير العقاري الخاصة في مصر، الطلب على الإسكان فوق المتوسط والإسكان الفاخر بما يصل إلى 90 ألف وحدة سنويا وإنه تم عرض 24 ألف وحدة فقط من مثل تلك الوحدات في 2016. وقال منصور "لديك مليون زيجة سنويا و2.5 مليون شخص يدخلون السوق كل عام". واستحوذت بالم هيلز في أكتوبر/تشرين الأول 2017 على حقوق تطوير 12.6 مليون متر مربع من الأراضي الصحراوية التي تبعد 15 كيلومترا غربي أهرامات الجيزة، حيث ستطور 37 ألف وحدة سكنية. وقال منصور إن الشركة ستبدأ بيع الوحدات في أبريل/نيسان أو مايو/أيار وذلك بالإضافة إلى ما يزيد على سبعة آلاف وحدة تطورها الشركة في مناطق أخرى بمصر. وبلغ متوسط أجور المصريين بمن فيهم موظفو الحكومة والقطاع الخاص، نحو أربعة آلاف جنيه مصري في 2016 بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بما يجعل تكلفة معظم الوحدات السكنية الجديدة أعلى كثيرا من القدرة الشرائية لغالبية السكان. ويقول هاني عثمان ومؤسس ومدير شركة الشمس للتسويق العقاري المتخصصة في العقارات الفاخرة إن النشاط في مصر يتركز حاليا على الشقق الصغيرة، مضيفا أن المشتري التقليدي للعقارات الفاخرة تضرر جراء التباطؤ الاقتصادي في مصر منذ الانتفاضة الشعبية في 2011. وأشار عثمان إلى أنه بصرف النظر عن مدى ثراء هذا المشتري فقد تأثر سلبا من الناحية الاقتصادية، إذ تضرر جراء تراجع إنتاج شركته حتى وإن كان ثريا.
مشاركة :