تثار هذه الأيام زوبعة عالية الغبار حول الاكتتاب في البنك الأهلي المزمع طرح أسهمه قريباً. نفس الاختلاف الذي يدور في كل مرة تطرح فيه أسهم بنك للاكتتاب. لا أعلم ما الذي تغير عن الفتاوى السابقة أما نظام البنوك على حد علمي لم يتغير فيه شيء. مع احترامي صرنا نحب الجدل للجدل أو إذا أسأنا النية نقول ثمة أناس يثيرون هذه الزوبعة ليقللوا من عدد المكتتبين ليكون نصيبهم في الاكتتاب أكبر. أجمل ما في الموضوع أن الأمر خيار. مؤسسة النقد تضع نظام البنوك بين أيدي الناس والمشايخ يطرحون آراءهم والإنسان حر أن يختار ما يتفق مع فطرته، خصوصاً أن هناك خلافاً بين المشايخ وطلبة العلم الديني في مسألة أرباح البنوك. الخيار ليس مجرد حق وإنما هو أيضاً اختبار حقيقي لإيمان الفرد وتأصيل له. المرء هنا لا يفاضل بين ما يريده وما يريده القانون ولكن بين ما يؤمن به وبين أطماعه الدنيوية. لا يساق الناس إلى الجنة بالسلاسل أو بقوة النظام أو بالمنع والتصلب. الناس تبحث عن الجنة بما يعمر قلوبهم من إيمان لا بما يفرض عليها القانون أن تفعله. توضع القوانين لمنع الضرر أو لتنظيم شؤون الناس لا لتديين الناس وسوقهم إلى الجنة. لا أحد يشك أبداً في تحريم الربا. ورد تحريمه في القرآن الكريم بعبارات واضحة وصريحة ولا أحد يجهل تاريخ ضرره على الشعوب. هو التجارة الوحيدة التي تتفق جميع الشعوب على تحريمها أو احتقار العاملين بها أو على الأقل استهجانها. الربا هو أحد الأسباب التي أفقدت اليهود محبة الشعوب واحترامهم. لكن السؤال هل ما تتعامل به البنوك اليوم يدخل في الربا الذي حرمه الله تعالى أم لا. أنا لا أعلم ولكن أسمع آراء مختلفة عندئذ يعود قرار اكتتابي إذا قدر لي أن اكتتب في البنك إلى قدرة أي من الرأيين على إقناعي والتماس مع فطرتي الدينية والأخلاقية. القوة الوحيدة الضاغطة على قراري هنا هي إيماني لا قوانين أو أجهزة تسوقني السير في هذا الطريق أو نقيضه. لنقارن الآن بين الجدل حول الاكتتاب في البنوك وبين حق المرأة في قيادة سيارتها بنفسها. ليس من العقل أو من الحكمة أن أسوق مقارنة بين القضيتين. فما هو حرام في القرآن الكريم يختلف جذرياً عن آراء فقهية استندت إلى باب فقهي اسمه سد الذرائع وتخلى عنها كثير من أصحابها مؤخراً. لكن طرحي للموضوعين معاً بشكل متجاور قادني إليه قبول الناس حتى المتنطعين منهم حرية الاختيار في فعل مشوب بتحريم صريح ورد في القرآن الكريم ورفض حرية الاختيار في قضية مختلف عليها حتى بين من حرمها يوماً ما. لا يعود هدفي في هذا المقال إثارة قضية سياقة المرأة للسيارة بل لتأصيل حق الناس في الاختيار إذا توفر الوعي. الناس اليوم غير الناس في الماضي. انخفضت نسبة الأمية وارتفع الحس النقدي. من حق الناس أن تختار شريطة أن تضعهم أمامهم خيارات واعية مبنية على أسس علمية. هذا ما يحدث في مسألة الاكتتاب. تساق الآراء التي تؤكد انتفاء شبهة الربا عن تعاملات البنوك وتطرح آراء المشايخ الكرام التي ترى في الأمر ربا وللناس أن تختار ما يتفق مع فطرتها الدينية الواعية.
مشاركة :