تساءلت مجلة الإيكونوميست عن سبب وجود قوات تركية في سوريا مرة أخرى ، محذرة من أن الحملة التي تشنها أنقرة ضد ميليشيا كردية تعرّض العلاقات مع واشنطن للخطر.ونوهت المجلة عن أن الجيش التركي ، وهو ثاني أضخم جيوش حلف الناتو ، عندما دخل سوريا آخر مرة في خريف 2016 كان هدفه آنذاك اجتثاث مسلحي تنظيم داعش من بقاع تطل على الحدود ؛ لكن الجيش التركي هذه المرة يستهدف مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية ؛ وقد تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدم مغادرة سوريا ريثما تقضي قواته على كافة هؤلاء المسلحين في منطقة عفرين. ونبّهت الإيكونوميست إلى أن حكومة أردوغان طالما اعتبرت وحدات حماية الشعب الكردية بمثابة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي خاض على مدى العقود الثلاثة الماضية حربا دامية ضد القوات المسلحة التركية سقط فيها نحو 40 ألف قتيل.ولفتت المجلة إلى أن تركيا لا تكاد تفرّق بين الجماعتين الكرديتين وتصنفهما معا كمنظمات إرهابية ؛ فيما يقتصر حلفاء تركيا الغربيون ، ولا سيما الولايات المتحدة ، على تصنيف حزب العمال الكردستاني وحده بأنه إرهابي - وهنا تكمن المشكلة. وأشارت الإيكونوميست إلى أن أمريكا ، التي تقول بانفصال الجماعتين الكرديتين (وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني) إحداهما عن الأخرى ، اعتبرت وحدات حماية الشعب بمثابة شريك رئيسي في الحرب ضد تنظيم داعش ، وبغطاء جوي أمريكي تمكنت هذه الوحدات من طرد "الجهاديين" من معظم شرق سوريا ومن عاصمة خلافتهم المزعومة (الرقة) في سلسلة من المعارك الضارية.وقد حدا ذلك ، حسب المجلة ، بالمسؤولين الأمريكيين إلى أن أعلنوا مؤخرا عن خطة لاستخدام مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية كجزء من "قوة أمنية حدودية" تحافظ على المكاسب المُنتزعة من داعش ، وهذا تحديدا ما أكدّ أكثر مخاوف تركيا والمتمثلة في تحوّل التحالف التكتيكي بين واشنطن والأكراد السوريين إلى تحالف استراتيجي.ونوهت الإيكونوميست عن أنه وعندما طرد الأكراد عناصر داعش من معاقلهم بالقرب من الحدود التركية ، فإن الارتياح قد عمّ أرجاء العالم باستثناء تركيا التي ترى حكومتها في المقاتلين الأكراد تهديدا أكبر من تهديد داعش ، وتقول أنقرة إن المسألة مسألة وقت حتى تشرع وحدات حماية الشعب الكردية في شن هجمات عابرة للحدود من قواعدها في سوريا ضد تركيا، رغم تعهّد قادة هذه الوحدات بعدم الإقدام على ذلك. ونبهت المجلة في هذا الصدد عن قيام مسلحي حزب العمال الكردستاني في السابق بتوجيه ضربات من شمال العراق ضد تركيا على مدى سنوات ، وظلت سوريا حتى أواخر التسعينات توّفر ملاذا آمنا لقيادة حزب العمال الكردستاني ومكانا لمعسكرات تدريب وغير ذلك من المساعدات التي لم تتوقف عنها دمشق إلا بعد أن هددتها أنقرة باجتياحها. وعلى الصعيد الأمريكي ، رصدت الإيكونوميست بعض الإشارات على أن الأمريكيين بدأوا في البحث عن طرقٍ لاستيعاب تركيا؛ وقد اقترح الجانب الأمريكي ، بحسب تقارير ، مساعدة أردوغان في إقامة منطقة آمنة جنوبي الحدود مع عفرين ، لكن فتيل الأزمة بين حليفي الناتو (واشنطن وأنقرة) قد يشتعل في مكان آخر ، شرق عفرين حيث يتمركز 2000 من عناصر القوات الخاصة الأمريكية المشاركين في الحملة ضد داعش في سوريا. وإذا ما قرر أردوغان ، كما تعهد ، توسيع نطاق هجومه ضد وحدات حماية الشعب الكردية بحيث امتدّ إلى تلك المناطق التي يتمركز فيها جنود أمريكيون ، عندئذ قد تجد القوات التركية نفسها في مواجهة مع قوات أمريكية ، وحينئذ يكفي سقوط جندي واحد من أي من الجانبين لكي يتغير كل شيء.
مشاركة :