أطلق الرئيس التنفيذي لمعهد مسك للفنون أحمد ماطر على رأس فريق من المواهب السعودية، مبادرة استثنائية من متحف الفن الحديث «موما» في نيويورك، حيث أعلن من هذا المنبر الثقافي الفني العالمي الرفيع، البرنامج الطّموح للمعهد خلال عامه الأول 2018.وتحلّق العشرات من الفنانين والمتابعين للشؤون الثقافية والفنية في المدينة الأميركية، أمس، لمتابعة هذا الحدث الذي نظّمته إدارة «موما» في قاعة المؤسسين، نظراً للاهتمام الذي توليه لآفاق التعاون مع «مسك» الذي اختار هذه المنصة لإعلان برنامجه الدولي للمعارض والنشاطات الثقافية. وعكست النشاطات التي أعلنها ماطر الزخم الكبير الذي تعيشه الحياة الثقافية والفنية في المملكة، تحت رعاية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، و«الطاقة الإيجابية» التي أطلق عنانها في البلاد، وفقاً للتعبير الذي استخدمه ماطر نفسه. وهو عدّد أوجه نشاطات المعهد، وأبرزها إقامة جناح هو الأول للمملكة العربية السعودية في معرض «بينالي البندقية للعمارة»، وإقامة رحلات للفنانين السعوديين الشباب إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية ضمن برنامج التبادل التعليمي «اصنع وألهم»، مع تنظيم «مهرجان نيويورك للفنون والأفلام العربية»، متعدد التخصصات في عدة أماكن، خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2018. كما أعلن البدء بتصميم المقر الرئيسي للمعهد في العاصمة السعودية الرياض.وقال ماطر لـ«الشرق الأوسط» إنّ «(موما) يعدّ من أهم المنصات الدولية التي تربط العالم»، موضحاً أنّ لهذا المتحف «رؤية عالمية، وهذه الشراكة بين (مسك) و(موما) أكاديمية وتعليمية وفكرية». وأضاف أنّ «اختيار هذه المنصة جاء انطلاقاً من صداقة متبادلة بين الشباب الفنانين، فهناك جيل من الفنانين السعوديين وصلوا إلى هذه المرحلة الآن وطرقوا هذه الأبواب»، مشيراً إلى أنّ مدير البرنامج الدولي في «موما» جاي ليفينسون، ذكر، أنّ «من أهم الفنانين العرب الذين تعاونوا مع (موما) فنان سعودي اسمه محمد السليم الذي درس في فلورنسا في السبعينات من القرن الماضي». وأوضح أنّ «هذا الفنان السعودي معروف في السعودية، ولكنّه غير معروف حتى عند العرب... هذه هي الطاقة الإيجابية التي نعمل عليها». واعتبر أنّ «هذا التعاون منصة فكرية وثقافية حرة للشباب الذين يستفيدون الآن من هذه الطاقة الإيجابية التي تعيشها المملكة الآن، أكثر من أي وقت مضى»، معيداً السبب في ذلك إلى «الرؤية الجديدة للأمير الشاب محمد بن سلمان الذي يملك هذه الطاقة الإيجابية، التي علينا أن نسرع الخطى للحاق بها. هو رجل منجز وسريع وهو عاشق للفن والثقافة ويقود رؤية الشباب». ولفت إلى أنّ «التركيز على الشباب والمرأة يمكّننا من إيجاد المساحة المشتركة الصحيحة، لأنّ الشباب يمثّلون أكثر من 70 في المائة من الشعب السعودي، والمرأة السعودية قدمت الكثير ولا تزال، وهي جزء لا يمكن الاستغناء عنه في المجتمع». ولاحظ أنّ القيادة الشابة في المملكة «أعطت لجيل الشّباب وللمرأة المكانة الصحيحة. وسلطت الضوء على المستقبل الجديد. وهذا يتطلب الكثير من الجرأة والقيادة والعزم على الانتقال إلى مرحلة جديدة». وكشف أنّ «مشروع بينالي البندقية مهم جداً لأنّه من أهم المنصات الدولية للفنون. يشبه كأس العالم. إنّ وجود منصة دائمة للسعودية يشرف عليها معهد مسك للفنون، سيكون رسالة سنوية إلى كل العالم في أحدث ما توصلت إليه السعودية في الفنون التشكيلية وفنون العمارة. وهو سينطلق في مايو (أيار) المقبل، وسيستمر ستة أشهر». وعن افتتاح أول جناح للمملكة في «بينالي البندقية للعمارة» في مجمّع ترسانة البندقية (آرسنال البندقية)، كشف ماطر أنّه سيضم معرضاً يُحاكي مفهوم «عكس التصميم» الذي ينطلق من الموضوع الرئيس لمعرض «بينالي البندقية للعمارة 2018»، وهو «المساحة الحرة»، موضحاً أنّ هذا المفهوم «يسعى لكشف إمكانية التخلي عن الشكليات المعتادة التي تحكم آلية التصميم، وإتاحة الفرصة لحدوث تصادمات عرضية قد تُؤدي إلى تبادل طبيعي بين العناصر المختلفة في المساحة الحرة». وذكر أنّ لجان التحكيم تعمل حالياً على دراسة الطلبات المشاركة عبر دعوة مفتوحة، والبالغ عددها 66 مشاركة لاختيار المناسب منها.أمّا عن «مهرجان نيويورك للفنون والأفلام العربية» الذي سيُعقد على مدى 2 - 4 أسابيع في أكتوبر 2018، أوضح ماطر أنّ هناك مجموعة متنوعة من المعارض، والعروض السينمائية، وعروض الأداء، والبرامج التعليمية، وأعمال التكليف الفنية العامة، والمحاضرات، إضافة إلى ندوات حوارية للفنانين. وأن عدداً من المؤسسات ستتعاون مع معهد مسك للفنون لإقامة تلك المعارض والبرامج، أو ستستضيف مشاريع خاصة، كجزء من برامج القيمين المستمرة ضمن إطار المهرجان، الذي يهدف في المقام الأول إلى اكتشاف واستثمار الجيل القادم من القادة المبدعين والشخصيات الثقافية البارزة في منطقة الخليج تحديداً. وقد أطلق معهد مسك للفنون، بالتعاون مع مؤسسة «كروسواي»، برنامج «اصنع وألهم»، وهو برنامج تنافسي مفتوح أمام جميع المواطنين والمقيمين في المملكة، ومن المقرّر أن يُفتح باب المشاركة في البرنامج خلال شهر مارس (آذار) المقبل. وبحلول أواخر خريف عام 2018، سيغادر 10 فنانين شباب، المملكة، متجهين إلى ولاية كاليفورنيا، حيث سيكتسبون خبرة عملية من خلال دورة تدريبية في أبرز الشركات التكنولوجية الرائدة، والشركات الناشئة، وداخل استوديوهات الفنانين، كما سيمهد هذا البرنامج لرحلة متبادلة يقوم بها فنانون شباب من الولايات المتحدة إلى المملكة في عام 2019.وقالت رئيسة دائرة الإعلام والاتصالات في معهد مسك ندى التويجري لـ«الشرق الأوسط»، وهي سعودية عاشت معظم حياتها في الخارج: «ما دفعني للعودة إلى بلدي، وإلى هذا الفريق بالذات، هو الرؤية التي اقتنعت بها حقاً»، وأضافت: أنّ «البلد يتجه نحو تطوير هائل. وما سنراه في السنوات القليلة المقبلة عملية تحول كاملة». وتابعت: «أعطتنا القيادة فرصاً ممتازة شباباً ونساءً. الرؤية الآن ليس لزيادة نسبة العمالة بين الذكور والإناث، بل لإعطاء المرأة المزيد من الأدوار الريادية من أجل الازدهار والإشعاع والاكتشاف». وأكّدت أنّه «بالنسبة إلينا، هذه صناعة التاريخ، وهذا مثير للغاية». وأفادت أيضاً بأنّ «الفنون والنشاطات الثقافية موجودة أصلاً في المملكة. ولكنّها كانت في مكان خفي. الآن لدينا منصة ممتازة ودعم ممتاز من الحكومة والمؤسسات الدولية كي نزدهر ونظهر لبقية العالم ما الذي يمكن أن يقدمه السعوديون والسعوديات».وأكدت التويجري أن «ما يحصل في معهد مسك للفنون يتسق مع التغيير الذي تشهده المملكة عموماً في إطار رؤية الأمير محمد بن سلمان. فالفنون موجودة، وهناك الكثير مما يمكننا أن نوفره للعالم. المملكة غنية للغاية بالفنون والنشاطات الثقافية. الحكومة قررت للمرة الأولى أن تستثمر في هذين المجالين المهمين. هذه حركة ثقافية وفنية على المدى البعيد».وعن هذه الشراكة الثقافية بين معهد مسك للفنون ومتحف نيويورك للفن الحديث، وبمناسبة تدشين هذا البرنامج الدولي، وصف مدير المتحف غلين لاوري الشراكة بالطموحة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنّ «هذا المشروع يشكل خطوة واعدة نحو تعزيز وإثراء التبادل الفني والعلمي عبر مختلف التقاليد والثقافات»، وأنّهم في متحف نيويورك «فخورون بالمساهمة في ذلك، وسعداء للغاية بأن يتولى الفنان العالمي أحمد ماطر إدارة هذه المبادرة المهمة». فيما أكّد ماطر على أهمية هذا التعاون، شاكراً للسيد لاوري على استضافتهم لإطلاق «رؤية معهد مسك للفنون»، لافتاً إلى أنّ البرنامج الدولي سيتضمن أيضاً التعاون مع هذا المتحف المهم لإصدار مجلد «الفن الحديث في العالم العربي: وثائق أساسية»، مشيراً إلى الدور المنتظر من المعهد ليكون «منصة مفتوحة يقودها جيل جديد من الفنانين والمصممين والمفكرين السعوديين، وذلك باتباع عمليات واتجاهات جديدة تعكس حداثة نتاجهم الإبداعي».
مشاركة :