لا شك أن السياسة الإيرانية تقوم في الأساس على ما نص عليه الدستور الإيراني, وعلى وصية الخميني، وعلى مقولة نصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها، وما ينادى به منظر النظام «لاريجاني». ولترجمة ذلك على ارض الواقع أسس النظام الإيراني المنظمات الإرهابية العديدة في الداخل الخارج ودعمتها, ولا يكاد يحدث أي عمل إرهابي في العالم إلا وللنظام الإيراني يد فيه بطريقة مباشرة وغير مباشرة, بدأ من عام 1982م حينما فجروا أزمة «الرهائن» ثم اختطفوا (96) أجنبياً في لبنان بالإعداد والتمويل من ملالي إيران, والتنفيذ من حزب الله، والجماعات المدعومة من النظام, وكان عام 1983م وما تلاه من أعوام مليئة بالأحداث الإرهابية التي هي من صنع إيران, وفي العام 1985م وقع حادث محاولة تفجير موكب الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت آنذاك، وفى عام 1986م حرضت السلطة الإيرانية حجاجها على القيام بأعمال شغب أثناء تأدية مناسك الحج مما أدى لحدوث تدافع بين الحجيج راح ضحيته العديد من ضيوف الرحمن, وتوالت في السنوات التالية الأحداث الإرهابية المدعومة من إيران كما مر بنا, ولم يكتفِ النظام الإيراني بأعماله الإرهابية العدوانية داخل المملكة، بل تورط في اغتيال الدبلوماسيين السعوديين وغير السعوديين, وفى التفجيرات الإرهابية, وفى توفير حماية وملاذات آمنة لمرتكبي الجرائم الإرهابية ومن ضمنهم المواطن أحمد المغسل، الذي تم القبض عليه عام 2015م، وهو يحمل جواز سفر إيرانياً, وبعد هجمات 11 سبتمبر، وفر النظام إيران ملاذًا آمناً على أراضيها لقيادات من تنظيم القاعدة بينهم سعد بن لادن، وسيف العدل وغيرهما, ورفض تسليمهم لبلدانهم. (القطان أحمد, (2017)، العدد (14180)). والحق أن السجل الإيراني حافل بانتهاكات سيادات الدول, وحرمة وحصانة البعثات الدبلوماسية على أراضيها, وأيضا حقوق الإنسان, والقواعد والأعراف والقوانين الدولية, ومع كل ذلك وفى مناسبات كثيرة مدت دول مجلس التعاون أيديها للسلام مع هذا النظام، داعية إلى تبني سياسات حسن الجوار، واحترام سيادة الدول, وعدم التدخل في شؤونها، إلا أنها لم تجد من طهران إلا أكاذيب وممارسات عدائية، وأعمال إرهابية, بل أصرت على عدوانها بإشاعة الفتن الطائفية والمذهبية، والتحريض والقتل والتدمير, وعلى عدم احترام القوانين والمعاهدات الدولية، بل إن تصر على اتباع سياسة تصدير الطائفية والإرهاب. والآن ها هي ثورة الجياع تنطلق في قلب إيران, وكانت شواهدها موجودة منذ سنوات طويلة, بعد أن قهر هذا النظام الشعوب الإيرانية، ليس بسلب ثرواتهم فحسب، بل بإنفاقها على عصابات التنظيمات الإرهابية في الخارج في العراق واليمن وسورية ولبنان وتحويلها من عصابات إلى ميليشيات مسلحة على حساب قوت الشعب الإيراني الذي أغرق الشعب الإيراني في الفقر والبطالة، والفساد والاستبداد, والمخدرات . أجل لقد انتفض الشارع الإيراني ضد الظلم والاستبداد وفضل المواجهة على البقاء في دائرة الذل والاستعباد, بعد أن تجاوز حكامه كل الخطوط الحمراء, ومارس جرائم سياسية واقتصادية وأمنية بشعة بحق الشعب المغلوب على أمره. إن كرة الثلج الإيرانية بدأت بالتدحرج ولن تتوقف بتاتاً حتى وإن تقلبت الأوضاع بين الكمون والمد والجزر, فيكفي هذه الانتفاضة أنها أسقطت هيبة نظام الملالي في إيران, ونسفت كل دعايته لعشرات السنين , وأرعبت أذنابه وحلفائه في العالم العربي, ولن تستطيع أي قوة مهما كانت أن تقف في طريق الذين يعانون من الفقر والبطالة والظلم والاستبداد. لقد اعتمد نظام الملالي في إيران - كما مر بنا- على القمع والاستبداد الداخلي، وعلى أفكار تصدير الطائفية والمذهبية والإرهاب، ونشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة؛ بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، والضرب بجميع القوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية، والمبادئ الأخلاقية عرض الحائط، وإشغال الجبهة الداخلية عن الأوضاع المزرية بافتعال أزمات خارجية، ولا غرو بعد ذلك في أن يحتل هذا النظام الصدارة بسجله الأسود الحافل بالانتهاكات لحرمة الدماء وحرمة البعثات الدبلوماسية ودعم ورعاية الإرهاب وانتهاك القوانين والأعراف الدولية التي كان آخرها الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية وقنصليتها في2016م, ومسلسل إجرامه يطول شرحه في الداخل والخارج . وهاهم صفويو إيران يعلنون عن تأسيس قوة عسكرية طائفية أطلقوا عليها اسم «جيش التحرير الشيعي»؛ سعيًا منهم لتوظيف أبناء الطائفة الشيعية مرتزقتهم في حروبهم الدموية السافرة في كثير من الدول العربية والإسلامية. وفي النهاية قد يري البعض أن هذا النظام الطائفي في إيران يتصرف وكأنه يتمتع بحصانة عالمية تحول دون محاسبته على انتهاكه للقوانين والاتفاقات والأعراف الدولية, ومنها ملف مفاعله النووي، والجواب بكل بساطه: إن هذا التصرف ناتج عن سياسات الدول الكبرى نحو المنطقة، وتراخي تلك الدول في مواقفها، وغياب الإرادة، والمراقبة الفعلية، والمحاسبة الجادة، ولاسيما في برنامج هذا النظام الصاروخي الذي يعد الآن هو الأكثر خطورة على الأمن والاستقرار في المنطقة، وما زاد من فداحة تساهل أمريكا على وجه الخصوص، أن نظام ولاية الفقيه يقود حروبًا عبر مليشيات إرهابية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، بالدعم المالي والمعنوي وبالرجال والسلاح، ناهيك عن تحكمه بمفاصل القرار في تلك الدول، والاستمرار في دعم الإرهابيين، وتوفير ملاذات آمنة لهم، وكل ما يقوم به مجلس الأمن وأعضاؤه مجرد إدانة ومناشدة. وجملة القول فإنه قد صدر عن منظمات الأمم المتحدة عشرات القرارات التي تدين إيران بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، وإثارة الحروب الطائفية بما فيها إدانة مجلس الأمن الاعتداء على بعثتي السعودية بإيران، وقد بعث نظام الملالي في إيران رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، عبر فيها عن أسفه للاعتداء على السفارة السعودية، وتعهد فيها بعدم تكرار الاعتداء على البعثات الدبلوماسية، كما صدر عن القمة الخليجية (37)التي عقدت بالبحرين جملة من القرارات في شأن إيران منها: 1 - الرفض التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وطالب بالالتزام التام بالأسس والمبادئ والمرتكزات الأساسية المبنية على مبدأ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، معربًا عن رفضه تصريحات بعض المسؤولين ضد دول المجلس والتدخل في شؤونها الداخلية، وانتهاك سيادتها واستقلالها، ومحاولة بث الفرقة وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها. 2 - أكد المجلس الأعلى ضرورة أن تغير إيران من سياستها في المنطقة، وذلك بالالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية وعدم احتضان وإيواء الجماعات الإرهابية على أراضيها، بما فيها مليشيات حزب الله وعدم دعم المليشيات الإرهابية في المنطقة، وعدم إشعال الفتن الطائفية فيها. 3 - أعرب المجلس الأعلى عن استنكاره وإدانته لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي لدول المنطقة. كما أدانت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي التدخلات الإيرانية، ففي الدورة الثالثة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عقدت في إسطنبول بالجمهورية التركية، أدان المؤتمر الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة في مدينتي طهران ومشهد الإيرانيتين. وأخيرًا: فإن رموز النظام في إيران يخدعون العالم عبر وسائل ومكائد كثيرة منها: القيام بتأسيس ودعم منظمات إرهابية - بالتعاون مع عملائهم - وإشعال الحرائق في كل مكان من خلال تلك المنظمات الإرهابية، ثم يقدَّمون أنفسهم للعالم الغربي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية على أنهم أفضل الخيارات لإطفاء حرائق تلك المنظمات الإرهابية، والقضاء عليها. إن سياسة إيران الخارجية دائما تمثِّل علامة استفهام، وإشكالية على جميع المستويات فهي لا تخضع لما هو متعارف عليه من أن السياسة الخارجية لأي دولة في العادة عبارة عن مبادئ تعمل من خلالها على تنظيم علاقاتها مع الدول في إطار القوانين والأعراف الدولية, وفى إطار تعزيز التعاون وتبادل المصالح، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والحقيقة أن سياسة إيران الخارجية على النقيض من ذلك، فهي سياسة تقوم على النفاق والبلطجة والهرطقة، والكذب والشعارات الزائفة، وعلى تصدير الطائفية ودعم الإرهاب واستغلال كل ما لديها من إمكانيات داخلية لبسط نفوذها على دول الإقليم، ظانة أنه من خلال لعب مثل هذا الدور ستحصل على مكاسب، ونفوذ، في حين أن هذه السياسة المتهورة جاءت على حساب التنمية الداخلية، وعلى حساب احتياجات الشعوب الإيرانية, وسمعة الإنسان الإيراني، ولا أدل على استياء وسخط الجبهة الداخلية من سياسة الملالي الداخلية والخارجية من الانتفاضة الأخيرة, وقد يكون ذلك بداية ربيع إيراني لا يدع ولا يذر. وبما أن هناك قائمة من الأولويات في سياسة الدول الخارجية تعمل على إيلائها جل الاهتمام في إطار المقاصد والأهداف الحيوية للدولة، وفى إطار القوانين والأعراف، ومكونات القوة، ومحددات الأمن والاقتصاد، والسيادة، والتنمية، بيد أن كل ذلك لا يعترف به، ولا يعبأ به، وأصبح هذا النظام المتمرس بالتقية والخداع، حالة دولية شاذة، كان ضحيتها من يدور في فلكه، والشعب الإيراني المغلوب على أمره والذي ابتلي بنظام استبدادي قمعي يستغل إمكانات إيران، والخُمس للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل وفق أجندات طائفية لا تخدم مصالح الشعب الإيراني، رافعين شعارات واهية تنطلق من اختلاق الأعداء الخارجيين، والزعم بمحاربة إسرائيل وأميركا والعمل من أجل تحرير القدس، كما أنه تحت هذه الأكاذيب يتم اغتيال المعارضين، واضطهاد الشعب، وانتهاك حقوق الإنسان، ووصم المحتجين والمعارضين لهم بأنهم ممولون من الخارج, وأنهم عملاء للصهيونية ودول الاستكبار، وهي تبريرات لإطلاق شبيحة النظام، وحرسه الثوري والمتعصبين لقمع الشعب وإسكات المحتجين شأن كل الأنظمة المغرقة في التخلف والاستبداد, والخداع. تقول ويندي شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية كلامًا في غاية الأهمية : «نحن نعلم أن الخداع جزء من الجينات الوراثية للإيرانيين» لقد تورط نظام الملالي في التدخل في دول العالم العربي خاصة التي فيها شيعة، وهو التورط الذي قادها إلى أن أصبحت الداعم الأول للإرهاب في العالم، وهذه السياسة الخرقاء جعلت الشرفاء من الشعوب الإيرانية يرفضون هذا السلوك، والدليل القاطع هو ما نراه اليوم من مقاومة وانتفاضة جميع مكونات إيران من: فرس، عرب، أتراك، أذريين، جيلاك، تركمان وبلوش وغيرهم، وهذا أذان باجتثاث هذا النظام القمعي إن عاجلاً أو آجلاً. وسيظل دائما تحت الرقابة الدولية، وأنه إن لم يرعوه فإن الساحة العربية والدولية مقبلة على تفاعلات داخلية وخارجية للوقوف في وجه مشروع الملالي وبشكل أكثر صرامة وحزماً خاصة بعد أن تكشفت حقيقته، وفى ضوء قناعة العالم بهمجيته ودعمه للإرهاب، وفى ضوء إصراره على تطوير برنامج الصواريخ، والسلاح النووي، الذي ليس للأغراض السلمية، بل للعدوان وتعريض السلم والأمن الدوليين للخطر, وثمة شواهد على ذلك ليس أقلها تصريحات إيرانية تؤكد هذا المسعى حيث يقول أحد رموز النظام آية الله مهاجراني نائب الرئيس الإيراني السابق» «إن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي يجعل من الضروري على الدول الإسلامية أن تتزود بنفس هذا السلاح، ويجب أن تتعامل من أجل الحصول عليه» ويقول لاريجاني: «عندما ننظر خارج حدودنا فإن غرضنا لا يتعدى مقولتين: تصدير الثورة، والمحافظة على أم القرى (إيران)»، إذًا الأصل في سياسة إيران هو: تصدير الثورة والعدوان، وهذا يعني بالضرورة تصدير الطائفية والإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
مشاركة :