أصبح من المعتاد أن تصل إلى مسامعنا أخبار حول قصص قتل أو سجن أبناء على أيادي أمهاتهم، من هنا وهناك لأسباب واهية لا تبرر لهن اقترافهن جرما عظيما في حق الإنسانية.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2018/01/30، العدد: 10885، ص(21)] من الجائز جدا ألّا يتفق كل الخلق على مفهوم واحد عند البحث في ماهية بعض المفردات، لكن من شبه المستحيل أن لا يجمع الكل على أن معنى مفردة أم تُختزل في جميع المعاجم والقواميس العربية والأجنبية في كونها تفضي إلى معنى واحد وهو الحياة بوصفها ماكنة مِن صُنع الأم التي تنجب الذكر والأنثى وتترعرع في كنف حضنها الأجيال. ويقْرنها البعض بـ”مطعم إذا جعت، مستشفى إذا مرضت، حفلة إذا فرحت، منبه إذا نمت، دعوات سماوية إذا غبت”، باختصار هي كل مرادفات معنى التضحية. ومع ذلك هي اليد الغادرة التي سرقت على حين غرّة من فلذات أكبادها طعم الحياة، قد يكون هذا المشهد الخارج عن المألوف مجزعا لكنه فتح بابا كبيرا على مصراعيه من الجدل حول تجرد بعض الأمهات من مشاعر الأمومة وقيامهن بالمشاركة في قتل أبنائهن أو في تعذيبهم أو تكفلهن بالمهمة وحدهن. وأصبح من المعتاد أن تصل إلى مسامعنا أخبار حول قصص قتل أو سجن أبناء على أيادي أمهاتهم، من هنا وهناك لأسباب واهية لا تبرر لهن اقترافهن جرما عظيما في حق الإنسانية جمعاء بوصفهن البذرة الخصبة التي تثمر وتزهر ويتفرع عنها الأفراد المكونون للمجتمعات. في البداية كانت تستوقفني مثل هذه الأحداث لأظل فاغرة فاهِي ردها من الزمن بحثا عن خيط رفيع يجمع بين ينبوع الحنان ممثلا في الأم وبين فرط القسوة مختزلا في القتل، لكنني الآن صرت أبحث عن شيء مختلف وبدأت تتأكد لي صحته مع كل واقعة جديدة وإن تعددت الأسباب والأماكن والجنسيات فالنتيجة واحدة “روحي روحي ولا يرحم إلي (الذي) مات”، ويحمل هذا المثل الشعبي التونسي دلالة على نوع من النرجسية والانتصار للذات وإن كان على حساب أقرب المقربين إلى القلب والروح. وهذا التعنّت الشديد لفكرة البقاء ذكرني بإحدى القصص التي بنيت حبكتها على ما استلهمته من وقائع جاءت بكتاب القرآن الكريم ليستشف منها الخلق جيلا بعد جيل العبر ويقيس عليها كل عصر نواميسه. وقد لا تلزم هذه القصة سوى خيال صاحبها ولا تمت إلى الواقع بصلة، لكنها ومثلها الكثير من القصص علقت بالمخيال الشعبي وبسطت بعض الأفكار في الأذهان. ومما ظل راسخا بذاكرتي، التي حاولت استدعاء كل تفاصيل الحكاية دون جدوى، أن أما حاولت النجاة مع وليدها الرضيع من الطوفان الذي ارتبط بعصر النبي نوح، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل وعندما أدركت أنها لن تنجو وباغتها ارتفاع منسوب المياه من حولها عملت على اعتلاء صخرة ورفع ابنها عاليا لكن المياه أخذت في الارتفاع أكثر فأكثر فما كان منها إلا أن وضعت رضيعها أرضا واعتلته لتنجو بنفسها. ولا تكاد تختلف هذه الأم التي فضلت النجاة بنفسها عن أمهات اليوم إلا في كونها كانت مدفوعة بحب البقاء، في حين أن البعض ممن قتلن أبناءهن كان دافعهن إما الحصول على بعض اللذة الجنسية العابرة وإما إرضاء غرور أزواجهن، وفي كل الحالات الدافع واحد كما أسلفت الذكر. وفي المقابل، هناك بصيص من الأمل لا يزال ينير عتمة قلوب ضاعت بين عجلات الانفلات باسم الانفتاح والمعاصرة دونته إحدى الأمهات الحاصلات على لذة الأمومة بعد شقاء وتعب شديدين قائلة “أنا أم مختلفة عن كل اﻷمهات.. أنا الأم التي تتمنى اﻷمومة.. ويتلاشى حلمها نهاية كل شهر.. أنا اﻷم التي أحبت صغيرها قبل أن يزرع في أحشائها.. أنا اﻷم التي أتعبتني اﻷدوية ومنشطات التبويض ومواعيد الطبيب وضاع في نهاية المطاف كل التعب.. وأنت يا صغيري فرحة أعيادي وسندي في حياتي أنا أم لطفل صغير.. أتخيل ملامحه وأشم رائحته سميته وحلمت به.. ولا زلت أنتظره، أنا أم مختلفة.. أنا أم بالفطرة ﻷن عاطفة اﻷمومة تغلبني.. أنا أم لغائب لا أعلم موعد قدومه، أنا أم..”. كاتبة من تونسشيماء رحومة
مشاركة :