تطورت الوسائل في طريقة إيصال الرسائل من التبليغ شفهياً إلى التسليم باليد أو باستخدام الطيور أو الإشارات عن بعد كالدخان أو الأعلام أو الهاتف واللاسلكي والحاسوب، وما يوفره من البريد الإلكتروني والشبكات الاجتماعية.حدث ابتكار كبير في الاتصالات القديمة ربما يشبه الإنترنت هذه الأيام، كان ذلك في بغداد عندما استخدم الخلفاء العباسيون الحمام الزاجل حين لاحظوا نزعة لدى بعض أنواعه في حب العودة لوطنه حيثما كان فأصبحت الخدمة البريدية ممكنة في اتجاه واحد هو دائماً اتجاه العودة إلى القاعدة، وبفضل تربية انتقائية لطيور معينة تطور استعمال الحمام الزاجل، خصوصاً أيام السلطان المملوكي بيبرس حتى إن عالماً مسلماً هو ابن عبدالظاهر ألف كتاباً عن الحمام الزاجل، وذكر أنه وجدت نحو ألف وتسعمائة حمامة في أبراج الحمام بقلعة القاهرة المركز الرئيسي للاتصالات في ذلك الزمن.يروي النويري المؤرخ الإسلامي من القرن العاشر حكاية الخليفة الفاطمي العزيز بالله بن المعز، الذي رغب ذات يوم، وهو في القاهرة، في أن يأكل القراصيا من النوع الذي ينمو في انطاكية فأرسل الطلب مع الحمام الزاجل على بعلبك ومن هناك أطلقت ست مئة حمامة كل واحدة تحمل حبتين من القراصيا في كيس حريري مربوط إلى ساقها وبعد ثلاثة أيام من إبداء هذه الرغبة قدمت إلى الخليفة طاسة كبيرة فيها ألف ومئتا حبة قراصيا طازجة من لبنان وصلت «ببريد جوي خاص».أصبح استخدام الحمام الزاجل وتربيته تسلية عالمية إذ تجوب الحمائم المتسابقة السماء، ومع هذا كان للحمام وظيفة عملية زمن الحرب في أوروبا فاستخدم البريد عندما حوصرت باريس في أثناء الحرب البروسية الفرنسية، فالحصار دام أربعة أشهر ونصف جعل من المستحيل إيصال الرسائل بالوسائل المعتادة فكان الأسلوب الناجح الوحيد في ذلك الزمن هو الحمام الزاجل، الذي حمل آلاف الرسائل الرسمية والخاصة.لم يكن الحمام فقط هو الذي ينقل الرسائل ففي الهند كان سعاة من الرجال العدائين يأخذون الرسائل إلى السلطان المسلم في دلهي في القرن الرابع عشر، ويشرح الرحالة ابن بطوطة هذه العملية بقوله: «يحمل رجل قضيباً في رأسه أجراس نحاسية يعدو بأقصى سرعة لمسافة ثلث ميل ولدى سماع الأجراس يستعد الرجل الثاني لأخذ البريد وفي المحصلة كانت الرسالة من أقصى شرقي الهند تصل إلى العاصمة في خمسة أيام».وابن بطوطة، الذي سافر عبر البلاد الإسلامية وجد طرقاً عبقرية لإرسال السلع والرسائل فقد بعث دفعة من المال إلى ابنه في دمشق مع تاجر لقيه في مكة ووثق به لأنه مسلم من بلدته طنجة وهكذا وعلى الرغم من تباعد الناس فقد كانوا على اتصال ببعضهم بعضاً بما توافر لديهم من تكنولوجيا ذلك الزمان.لعل أهم مؤسسة للبريد في العالم الإسلامي هي تلك التي أسسها السلطان سليمان القانوني عام ١٥٣٩ ففي هذا النظام، الذي يعتبر فريداً في زمانه توزعت محطات تسمى «منازل» في مختلف أنحاء الدولة العثمانية؛ حيث يقيم فيها ساعي بريد يسمى «منزلجي» كانت إسطنبول مركز هذه الشبكة من الطرق وكان البريد شديد الضبط والأمان والسرعة يوصل الرسائل من أبعد المدن.
مشاركة :