الدول العربية (منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو ما يعرف بـ«مينا») التي تعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية لا تولي الاهتمام الكافي للاتجاهات الديمغرافية لشيخوخة السكان في المنطقة، وسيكون توفير الأمن الاقتصادي والرعاية الصحية للمسنين واحدة من التحديات الرئيسية في المنطقة، وفقاً لأستاذة الاقتصاد في جامعة باريس-دوفين، نجاة مكاوي، في مقال نشرته في منتدى البحوث الاقتصادية. وحتى وقت قريب، تقول الباحثة استفاد المسنون في معظم البلدان العربية من أشكال من التكافل بين الأجيال، ومن المساعدة التي يوفرها أبناؤهم لهم، لكن مع شيخوخة السكان، وانخفاض منافع الضمان الاجتماعي، والدعم الأسري غير الكافي. فإن أعداداً كبيرة من كبار السن، لا سيما النساء بينهم، سينتهي بهم المطاف في ظروف سيئة للغاية خلال فترة تقاعدهم، مشيرة إلى أهمية توسيع إمكانية وصول أولئك المسنين إلى برامج الضمان الاجتماعي، المستبعدون منها حالياً في العديد من الدول العربية، في سبيل خفض المصاعب المالية والفقر في سن الشيخوخة. ووفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2017، من المتوقع زيادة عدد من هم بأعمار 60 وما فوق في العالم إلى 201 مليار نسمة في عام 2050. أما في الدول العربية، حيث كان إجمالي السكان ضمن هذه الفئة العمرية 16.5 مليوناً عام 2000، قد يكون وصل الآن إلى 28 مليون نسمة حالياً، وهو آخذ في الارتفاع بوتائر متسارعة. وبحلول 2050، سيكون هناك تسع دول في المنطقة العربية، وهي الجزائر والبحرين والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وسلطنة عمان وقطر وتونس، بمزيد من الأشخاص ما فوق الـ 60 عاماً أكثر من عدد من هم دون الـ 15. ومع جني البلدان العربية مكاسب هامة على صعيد زيادة متوسط العمر المتوقع عند الشيخوخة، فإن ذلك سيطرح قضايا تتعلق بنوعية الحياة والصحة لكبار السن، لا سيما النساء في الدول العربية، اللاتي في الوقت الذي يعشن لفترة عمرية أطول، يعانين من ظروف صحية أسوأ في سن الشيخوخة، وفقاً لما تظهره الأبحاث. وترى الباحثة أنه ما دامت معدلات الخصوبة مستمرة في الانخفاض، والعمر المتوقع مستمراً في الارتفاع، سيزداد عدد كبار السن باطراد كنسبة من السكان في الدول العربية، وفيما الشيخوخة أمرٌ لا مفر منه، إلا أنه ومن دون سياسة اجتماعية ملائمة، سيتفاقم مستوى الفقر في الشيخوخة، وسيغدو توفير الأمن الاقتصادي والرعاية الصحية لكبار السن من التحديات الرئيسية في المنطقة. لا سيما مع مواجهة هؤلاء مخاطر جدية لناحية الفقر والتهميش، وتشير في هذا السياق إلى ما توصلت إليه العديد من الدراسات من جهة فعالية برامج الضمان الاجتماعي في حماية الناس من الفقر، وتحديداً على فعالية الإنفاق العام على معاشات التقاعد في خفض معدلات الفقر بين المتقاعدين. وتقول الباحثة إن توفير برامج معاشات التقاعد في جميع البلدان العربية تقريبا، يتم عبر برامج الحماية الاجتماعية، لكن تغطيتها مقتصرة على نسبة ضئيلة من السكان. وباستثناء لبنان، فإنه يوجد في الدول العربية أنظمة معاشات تقاعد عامة إلزامية بـ «منافع محددة»، أما في لبنان فهناك صندوق ادخار وطني بـ«مساهمات محددة». لكن معظم أنظمة معاشات التقاعد في المنطقة هي حالياً غير مستدامة، وتعمل على مراكمة أعباء معاشات تقاعد عالية جداً بسبب ارتفاع معدلات الاستبدال (لموظفي الخدمة المدنية)، وبسبب معدل الاشتراكات / المساهمات المتدنية جداً. ومنذ إنشائها، لم يحدث أي تغيير رئيسي أو إصلاح لمعاشات التقاعد في تلك الدول. وتشير الباحثة إلى تقرير أخير لصندوق النقد العربي والبنك الدولي في عام 2017، يسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاح أنظمة معاشات التقاعد في المنطقة، وترى أن تحسين كفاءة أنظمة معاشات التقاعد، عن طريق خفض تكاليفها، وتحسين استراتيجيات الاستثمار والحوكمة، وتحسين استدامة برامج معاشات التقاعد وتكافؤ فرص الاستفادة منها والقدرة على تحمل تكاليفها، وتوسيع تغطيتها، من التحديات الرئيسية التي تواجه المنطقة. الأهم حسب قولها هو أن مجموعات كبيرة من السكان في البلدان العربية تبقى خارج برامج معاشات التقاعد، لا سيما النساء، إلى جانب أولئك الذين يعملون لحسابهم الخاص، والعاملون في الزراعة والقطاع غير النظامي، حيث لا يتجاوز معدل تغطية معاشات التقاعد في المتوسط 35% من القوة العاملة في المنطقة. وعلاوة على ذلك، هناك تفاوت كبير في تغطية دخل المعاش التقاعدي بين الدول العربية، من نسبة متدنية 8% في السودان إلى عالية تصل إلى 72% في الجزائر، فيما يستفيد أكثر من 50% من السكان المسنين في تونس والعراق والسعودية ومصر من تغطية معاشات التقاعد. أما أوضاع النساء العربيات، فهي الأكثر هشاشة في بعض البلدان، حيث لا إمكانية لهن للحصول على منافع الضمان الاجتماعي. وما دمن يعملن في القطاع غير النظامي أو من دون راتب، فإنهن غير مؤهلات للتأمين الاجتماعي (استحقاقات معاشات التقاعد وبرامج التأمين الصحي) عندما يتقدمن في العمر. وتقول الباحثة إنه حتى وقت قريب، استفاد المسنون في معظم الدول العربية من أشكال التكافل بين الأجيال، لكن الاتجاهات الديمغرافية والتغييرات الاجتماعية من المرجح أن تكون بتأثيرات سلبية على النظم التقليدية حيث تقوم الأسرة والأطفال بدور مركزي في توفير المساعدة إلى المسنين، ومع الايغال في السن، وتدني منافع الضمان الاجتماعي والدعم الأسري غير الكافي، فإن عدداً كبيراً من المسنين، وخصوصاً من النساء سوف ينتهي بهم المطاف في ظروف سيئة للغاية خلال تقاعدهم. ومن المرجح أيضا أن يواجهوا أمراضاً مزمنة، وأمراضاً عقلية أو يعانون من الخرف من دون دعم الرعاية الصحية، داعية الكاتبة إلى توسيع إمكانية وصول أولئك المسنين إلى برامج الضمان الاجتماعي، لضمان معاش تقاعدي بحد أدنى يأخذ بالحسبان مستوى معيشتهم، كما إلى تطبيق برامج معينة للعاملين من دون أرباب عمل رسميين. أنظمة مساعدات اجتماعية الى جانب «أنظمة معاشات التقاعد»، معظم دول المنطقة لديها «أنظمة مساعدات اجتماعية» مع اختبار للتأهل لها، ممولة بالكامل من الميزانية الحكومية، ويستهدف معظمها الأسر التي تفتقر إلى رجل قادر على العمل. لكنها وفقاً لماركوس لوي في مركز السياسات الدولية للنمو الشامل لا تصل إلى أكثر من 5% من كل الأسر، أو 25% من الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، باستثناء الجزائر وتونس (50% من الفقراء). ويفتقر توزيعها المصداقية، وتميل التحويلات المالية إلى أن تكون ضئيلة غير كافية لرفع المستفيدين فوق خط الفقر. بالتالي، لا يمكن مقارنتها بتغطية أنظمة معاشات التقاعد العامة. ماركوس لوي.. مؤلف كتب وباحث معهد التنمية الألمانية توفر أنظمة معاشات التقاعد في معظم الدول العربية، منافع سخية نسبياً للمستفيدين، لكن توزيعها غير متساوٍ على السكان الذين يفتقر معظمهم لإمكانية الوصول إليها، ما يعني أن معظم هذه الأنظمة لها تأثير محدود في الفقر. رنا جواد.. مؤلفة كتب وأستاذة في جامعة باث ببريطانيا توفير الحماية الاجتماعية الشاملة، يضمن الوصول إلى الخدمات الضرورية للغالبية العظمى من سكان «مينا»، الذين يعملون بشكل غير رسمي، ولا يعانون من الفقر الشديد، لكنهم يعانون من صعوبات العيش والتهميش. معدل التغطية القانونية يقول الباحث في معهد التنمية الألمانية ماركوس لوي إن معدل التغطية القانونية المشتركة لجميع معاشات التقاعد هو أقل من 50% في معظم بلدان منطقة «مينا»، بل إن التغطية الفعالة أقل باستثناء الجزائر وتونس، حيث معدل التغطية الفعال لأنظمة التقاعد العامة كانت أعلى من 70% قبل عام 2011، وقد حققت مصر والأردن تغطية فعّالة بأكثر من نسبة 50%، فيما دول «مينا» الأخرى غطت فقط ما بين 15% إلى 30% من الموظفين. أما في بلدان الخليج العربي، فإن جميع المواطنين تتم تغطيتهم بشكل فعّال. ستيفن ديفيرو.. مؤلف كتب وباحث في معهد دراسات التنمية تم توسيع أنظمة المساعدات الاجتماعية في المنطقة بشكل كبير، بعد أزمة الغذاء العالمية في 2007 /2008، والأزمات السياسية بعد عام 2011، والمبادرات الأخيرة لإصلاح أنظمة برامج الدعم في العديد من الدول. معلومات عامة عن أنظمة التقاعد والمساعدات الاجتماعية ميزانيات جميع الدول العربية (منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «مينا») لديها أنظمة معاشات تقاعدية عامة، معظمها بميزانيات كبيرة تشكل 2 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ومنافع سخية نسبياً للمستفيدين. تفاوت يوجد عدم مساواة بين الأعضاء في أنظمة معاشات التقاعد، لأن معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «مينا» تتمتع بأنظمة عدة بمواصفات عضوية وحزمات منافع وأساليب تمويل مختلفة، ناهيك عن أن القائمة على المساهمات بسقف أدنى للمعاش التقاعدي. حوافز كل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «مينا» باستثناء المغرب وليبيا تسمح بالتقاعد المبكر بعمر الـ 50، 45 أو حتى 40 عاماً من دون أي تخفيض، شريطة أن يدفع العضو مساهماته على الأقل من 10 إلى 15 عاماً. مقارنة المساعدات الاجتماعية ضئيلة من حيث نصيب الفرد: وتشكل 12% بالمعدل فقط من الإنفاق الاستهلاكي للمستفيدين ضمن الشريحة الخمسية الدنيا من السكان بالمقارنة مع 20% في مناطق نامية أخرى.
مشاركة :