فاز الفنان المصري محمد صبحي بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثانية عشرة 2018، تقديراً لتجربته الإبداعية الثرية وتثميناً لدوره المشهود في تطوير وإغناء الحركة المسرحية العربيّة، خلال أكثر من أربعة عقود، وعبر العديد من العروض المبدعة والراسخة في ذاكرة جمهور المسرح. وتأسّست جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي بتوجيهات من الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، سنة 2007، استكمالاً لجهود الشارقة الداعمة والمحفزة لمبدعي المسرح العربي المميزين في اختصاصاتهم المتعددة. وقال عبدالله العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، إن «محمد صبحي رمز للفنان المسرحي المثقف والمستنير والجدير بالتقدير والاحترام، ولقد أثرى الوجدان العربي بروائعه المسرحية، ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً، وعزز موقع الفن المسرحي ومكانة مبدعيه في المجتمع، برؤاه الفنية والفكرية المبتكرة والملهمة والهادفة إلى نشر وتعزيز القيم السامية وصون كرامة الإنسان وحريته». وأضاف العويس: آمن صبحي بالدور التربوي والتعليمي للفن المسرحي وبمسؤولية الفنان تجاه مجتمعه؛ فلم يقصر جهوده على مجاله المهني ووظف إمكانياته ورصيده الثقافي لطرح العديد من المبادرات والمشاريع الاجتماعية والإنسانية، البناءة والهادفة، والمشهودة والمشكورة». وتعكس السيرة الذاتية للفنان المصري المولود سنة 1948، مساراً حياتياً وفنياً ملحمياً؛ فمن عامل في شباك تذاكر في إحدى الصالات بالقاهرة، حين كان طالباً، بات صبحي، في غضون سنوات قليلة، أحد أبرز أعلام الثقافة المصرية المعاصرة؛ ومن ممثل في دور صغير، حين ظهر للمرة الأولى، بمسرحية «كومبارس الموسم» التي عرضت عام 1968، صار خلال فترة زمنية ليست بالطويلة، من أشهر فناني المسرح في العالم العربي. ودرس صبحي التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية قبل أن يعمل معيداً به، عقب تخرجه سنة 1970، ولكنه عُرف لاحقاً كممثل ومخرج وكاتب، في المسرح والتلفزيون والسينما. ومنذ بداياته الأولى، شُغل صبحي، الذي استقال من المعهد العالي للفنون المسرحية بحثاً عن فضاء إبداعي وثقافي يسع طموحاته الفنية والفكرية، بتأسيس فرقة أو مؤسسة، تكون بمثابة مختبر لمنهجه المسرحي ومنصة لتدريب وصقل طلابه، فتوجه سنة 1971 إلى انشاء «استديو الممثل»، وبعد نحو عشر سنوات، أسس، مع زميله لينين الرملي، «استديو 80»، الذي سرعان ما تحول إلى أكاديمية فنية، قدمت العديد من الوجوه التمثيلية التي أثرت حركة الفن في القاهرة بحضورها المميز لاحقاً، مثل هاني رمزي ومنى زكي وسواهما. ومن حلم صغير يتمثل في إقامة فرقة مسرحية، في بداياته الفنية، توجه الفنان الملقب بـ «بابا ونيس»، مطلع تسعينات القرن الماضي إلى إنشاء مدينة كاملة للفنون... وفي الصحراء! وتعكس قصة إنشاء هذه المدينة جانباً من صلابة صبحي في التمسك بأحلامه وتحقيقها؛ فبعد تقديمه مسلسل «سنبل بعد المليون» 1987، الذي نادى عبره بالتوجه إلى إعمار الصحراء المصرية، عمد إلى أن يكون القدوة والرائد فاشترى قطعة أرض في الصحراء وشرع في تشييدها لتغدو في فترة وجيزة مدينة «سنبل للفنون والزهور»! وشكل صبحي، الممثل والمخرج، مع الكاتب لينين الرملي، ثنائياً مسرحياً خصباً، منذ تأسيسهما «ستديو 80»، ومن أبرز العروض المسرحية التي جمعتهما «انتهى الدرس يا غبي» 1975، و»إنت حر» 1982 و «الهمجي» 1985، ، و «تخاريف» 1988 و «وجهة نظر» 1989، و»المهزوز»، وغيرها. وخلال العقود الأربعة الماضية قدم صبحي نحو ثلاثين عملاً مسرحياً، من بينها «أوديب ملكاً» و «هاملت» و «روميو وجولييت» و «زيارة السيدة العجوز»، إضافة إلى العشرات من المسلسلات والبرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، متناولاً العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، بحس نقدي رصين، منوعاً في أساليبه وطرائقه الفنية، ومعبراً عن منظور فكري شغله وشاغله حرية الإنسان وحقه في العيش الكريم. وبعد توقف استمر أكثر من عقد من الزمان، عاد صبحي إلى المسرح سنة 2015، عبر أربع مسرحيات، دفعة واحدة، طارحاً مبادرة جديدة تحت عنوان «المسرح للجميع»، داعياً إلى خفض أسعار بطاقات الدخول إلى المسارح. ويتسلم صبحي جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي، في حفل افتتاح الدورة «28» من «أيام الشارقة المسرحية» التي ستنظم هذه السنة خلال الفترة من 13 وإلى 22 آذار (مارس) المقبل.
مشاركة :