كان للثقافة والإبداع والكتابة تأثير كبير على المبدعين من الكتّاب في الأخذ بيدهم نحو الرقي الإنساني الذي جعل منهم"قلوباً مفتوحة" على الآخر، فهم الكائنات التي لها القدرة على التجانس وعلى التقارب مع الآخرين والانفتاح على جميع الثقافات في مختلف الأجناس والأمكنة، إن المثقف الحقيقي هو ذلك الكائن الذي يحترم الإنسان بعيدا عن الطبقية أو الجنس، فمهما كبر وحلق مع إبداعه فهو إنما يحلق مع التساوي مع جميع البشر الذين هم متذوقون لما يكتبه ويقدمه من إبداع. وذلك هو المثقف الحقيقي... في حين خرج العديد من المبدعين والكتاب والأدباء من طال كثيرا جناحاه حتى تحول إلى "طائر بألوان" وبرقبة طويلة حتى عنان السماء.. فلم يستطع أن ينظر إلى من حوله ولم يستطع أن يلامس النجوم.. حتى أصبح مبدعا بغرور وبعجرفة يتعامل من منطلق نجوميته التي من صنعها له هم الجمهور؛ فيتحدث عن منجزه وكأنه يتحدث عن بناء السماء، ولا يتردد أبدا في أن يخلق الجسور مع الآخرين، وفي أكثر الأوقات التي يحتاج إليه الآخرون حتى يقتربوا من إبداعه فإنه يجد في ذلك الإبداع نعمة فائضة هو من أنزل بها ومن أوجدها. إن هناك من المبدعين من دخلوا في عالم النرجسية التي جعلت منهم غير مقبولين في المشهد الثقافي، وهناك من لم يشعر برفض الآخرين لنرجسيته تلك فهو لا يسمع سوى ذاته، ولا يرى إلا من خلال مرآته الخاصة، فيمشي كمشية الطاووس التي تهتز لها رقبته كلما ظن بأن هناك من يشير له بالبنان ويصفق له، إلا أن الحقيقة في أن الإبداع الحقيقي لا ينبع إلا من الداخل، وبأن الكتابة هي خلق بداخل الخلق، وهي الأرض الطيبة التي عليها يجب أن يرسم العالم بأكثر قدر من النقاوة والتساوي والعدل، وبأن القلم هو الاقتراب من الحياة ومن يعيش فيها، وبأن الجمال إنما تأتي به الروح وذلك مايدركه المبدع الحقيقي، في الوقت الذي يبتعد عنه من بقي يسكن في برجه العالي وأصبح يتعامل مع الآخرين كما لو كانوا زائدين عن حاجته، أو أقل منه وهو صانع الإبداع حتى يصبح أنفه أطول من قامته؛ فما الذي جعل مثل هؤلاء .."طاوويس للكتابة " وماهو المسوغ لغرورهم الذي جاء بنكهة الإبداع؟ هل المبدع الحقيقي هو من يصفق له الجمهور ثم يتعالى ويترفع؟ أم أنه الذي تأخذ الكتابة بيده إلى أن يكون إنسانا حقيقيا شفافا؟ وما مصير مثل هؤلاء من الكتاب؟ وما الذي يحاول البعض منهم أن يخفيه خلف ذلك الغرور وتلك العجرفة. العناد: هناك من يختار الغرور ليخفي أوراقه غير المعلنة حالة لا يمكن شفاؤها: يقول الدكتور معجب العدواني - الناقد وأستاذ النقد والنظرية المشارك بجامعة الملك سعود - بأن الكتابة خلق جديد، ومنجز يغري بالفخر، وممارسة " الطاووسية " ولذلك لا عجب أن يرسخ بعض الكتاب ذواتهم من خلالها باحثين عن مجد مفقود، أو مستقبل موعود، متوافقا مع الرأي الذي يذهب بوجود العديد من المبدعين والأدباء والمثقفين المصابين بالغرور وما يذهب إليه من قول حول "طاووسية" بعض المثقفين، وزهوهم بذواتهم وإبداعهم، وللجاحظ تشبيه طريف في ذلك إذ يشبه الكاتب بالأم ومنجزه بمولودها، فمهما كان قبيحا فهو في نظرها بالغ الجمال، ومن هنا يمكن أن نضع بعض المحاور في هذا الإشكال. إن كان الزهو والغرور نابعا من ذاتية تتصل بالمؤلف فهذه حال لا يمكن شفاؤها، بل تمتد إلى الطبيعة الإنسانية التي يمكن أن نجدها في أشخاص لا ينتمون إلى الحقل ولا نظن بأن إنتاج هؤلاء الأدبي سيضيف إلى المعرفة الإنسانية إن أعد عمله وهو يتلبس بهذا اللبوس، وإن كان غروره بمنجزه فالاختلاف سيكون بنسبة ذلك ومدى تأثيره عليه في قادم كتابته، أزعم أن من يتلبسه غرور الكتابة الأولى لن يتمكن من مواصلة طريق بناه على غرور مفرط بنجاح موهوم. الإبداع يرتقي بالإنسان: يرى الدكتور عبدالرحمن العناد - الناقد وعضو مجلس الشورى وأستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود - بأن المتغطرس من المثقفين ومهما كان ما وصل إليه من الإبداع والشهرة وغيرها فإن ذلك مدعاة من التقليل من شأنه، وهو بعيد عن المثقف الحقيقي الذي يبتعد عن صفة الغرور فهو أكثر أريحية وأكثر تواضعا وقابلية للنزول للجذور العادية للإنسان، وذلك الاعتقاد نحو البعض ربما نتاج خلفية ثقافية سابقة، مبينا بأنه يعرف الكثير من المثقفين من تميزوا بالسهولة وحسن المعشر والمخالطة إلا أن البعض من الناس ممن لايعرفون المثقفين فإنهم يأخذون عنهم الصورة النمطية التي يأخذونها عنهم من خلال الاعلام عن المثقف من خلال شهرته وربما ذلك ما يضعه تحت هالة وهمية يعتقد من خلالها الآخرون بأنه مغرور أو متعالٍ ولكن حينما يلتقون مع هذا الشخص فانهم يكتشفون بأن تصوراتهم السابقة خاطئة ولم تكن تصورات حقيقية، وهذا ربما وراء تلك التصورات الشائعة حول المثقف بأنه مغرور ومتعالٍ وربما جميع المشاهير الذين نسمع بهم سواء بالفن أو الرياضة أو الأدب والثقافة والشعر مما يعتقد البعض بأنهم معزولون ويعيشون في أبراج عالية بعيدا عن الناس، فحينما نأتيهم في دوائرهم الضيقة ومع أقاربهم فاننا نجدهم متواضعين ولا يختلفون عن الناس العاديين، فالمغرور منهم يكون قليل العلم وقليل الثقافة وليس العكس، فيجب أن نفرق بين الواقع وبين التصور الخاطئ عن المثقفين. فأي مثقف وأديب نقرأ له أو نسمع عنه أو نسمع أخباره من خلال وسائل الإعلام فنظن بأنه مغرور وذلك ربما غير حقيقي. وذكر بأن المبدع الذي يتعامل مع الآخرين بفوقية وتعالٍ وغرور فإنه يحاول أن يخفي شيئا يخشى من ظهوره أو تكشف بعض الأوراق فيستعين بذلك الغرور، فيضع المسافات بينه وبين الآخرين حتى لا تنكشف بعض النقاط التي فيه، ونجد ذلك ليس فقط على مستوى الشعراء والأدباء بل حتى على مستوى المتعلمين والأكاديميين فهناك من أساتذة الجامعات من ينعزل ويختار الصمت ويكره الاختلاط بطلابه ويضع الحدود بينه وبينهم؛ لأنه يخشى أن يقترب منه البعض فتكشف بعض جوانب الضعف في شخصيته فيحاولوا أن يخفوا ذلك بالعجرفة أو بالغرور ووضع مسافة بينهم وبين الآخرين حتى لا تنكشف الأمور السيئة التي بهم، مؤكدا بأن الثقافة على عكس ذلك فكلما ازداد المرء ثقافة يجب أن يزداد تواضعا وأدبا مع الآخرين لأن الثقافة تهذب وترتقي بالإنسان وذلك هو الأصل.
مشاركة :