انتفاضة ثالثة تدفن «صفقة القرن»

  • 2/1/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حلمي موسى شددت الإدارة الأمريكية حملتها ضد السلطة الفلسطينية وانحيازها ل«إسرائيل» بإبلاغ رئيسها، دونالد ترامب، رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي نجاحه في إزاحة قضية القدس عن جدول أعمال التسوية. وكان نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قد ألهب حماس اليمين اليهودي المتطرف بخطاب «تبشيري» في «الكنيست» أعلن فيه تحالف اليمين المسيحاني الأمريكي مع الكيان، معتبراً إياه خلاصة الخير والتقدم للعالم ومتجاهلاً كل طبيعته العدوانية والعنصرية. رغم الرفض الفلسطيني القاطع ل«صفقة القرن» الأمريكية إلا أن بوادر التراجع في بعض المواقف العربية واستمرار صمت الكثيرين يعزز الانطباع بأن تحركات جديدة قد تظهر في الأشهر القليلة المقبلة. وفي لقائهما على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أبلغ ترامب نتنياهو أن «مسألة القدس أزيحت عن الطاولة» وأن «صيغة مصغرة» للسفارة الأمريكية ستفتتح في القدس العام المقبل. وقال له إن السلطة الفلسطينية لن تتلقى تمويلا أمريكيا إن لم توافق على الدخول في مفاوضات. وأضاف: «إذا كانوا لم يحترمونا برفضهم زيارة نائب الرئيس لهم، بينما ندفع لهم مئات الملايين من الدولارات، فإن هذه الأموال باتت على الطاولة، وهي لن تنقل إليهم. «إسرائيل» تريد السلام وينبغي لهم أن يصنعوا السلام، وإلا لن يكون لهم شأن عندنا». وعن المفاوضات قال ترامب إن «المسألة الأهم التي يريدون الحديث عنها هي القدس، ونحن ببساطة أزلنا القدس عن الطاولة. لا حاجة بعد لحديث عن القدس، فهي ليست على جدول الأعمال. وعلى الفلسطينيين احترام العملية السلمية وواقع أن الولايات المتحدة دعمتهم بالأموال لسنوات طويلة. ينبغي لهم أن يحترمونا. ولم تبرم أية صفقة لأنه كان يستحيل في كل مرة التغلب على مسألة القدس. وقد أزحناها عن جدول الأعمال». وأظهر كلام ترامب عن إزاحة مسألة القدس عن الطاولة زيف التبريرات التي قدمتها أوساط أمريكية وأخرى مقربة منها لقرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» وكأنها إقرار بواقع لا يغير من جوهر الموقف من قضايا الحل النهائي شيئا. وتثبت كلمات ترامب أن الموقف من القدس والموقف من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هو موقف منحاز تماما ل«إسرائيل» وخلافا للشرعية الدولية من اثنتين من أهم قضايا الحل النهائي. وليس صدفة أن الرئاسة الفلسطينية شددت في ردها على كلام ترامب بإعلانها أنه إذا صارت القدس خارج طاولة المفاوضات فإن أمريكا نفسها ستبقى «خارج طاولة المفاوضات ما لم تتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»». وأكدت الرئاسة في ردها على أن «سياسة التهديد، والتجويع، والتركيع لن تجدي نفعا مع الشعب الفلسطيني» وأن «قضية القدس هي قضية مقدسة، وهي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، وهي لا تباع ولا تشترى بكل أموال الدنيا، والتهديد بقطع أموال «الأونروا» هو سياسة مرفوضة ولن نقبل بها بالمطلق». وكان المجلس المركزي الفلسطيني قد أعلن رفضه للإجراءات الأمريكية وأن القدس ليست للبيع وأن أمريكا لن تعود راعية للمفاوضات. وتتهم إدارة ترامب الفلسطينيين بأنهم قللوا من احترامهم لأمريكا برفضهم استقبال نائب الرئيس مايك بنس عند زيارته للأراضي المقدسة. ومعروف أن بنس استبق زيارته بإصدار تصريحات عديدة حول القدس وضد الفلسطينيين ولعب دورا بارزا، إلى جانب السفير الأمريكي في «تل أبيب» ديفيد فريدمان والمبعوثة الأمريكية إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي في القرارات بشأن القدس و«الأونروا». وطفح خطاب بنس أمام «الكنيست» بالاقتباسات من العهد القديم وتكرار المواقف المرضية لليمين اليهودي المتطرف في ظل تعهد بنقل السفارة قبل العام 2019. وشدد على أن الرئيس ترامب أقدم في الشهر الفائت على «تصحيح خطأ عمره 70 عاما. وأوفى بوعده للشعب الأمريكي عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستعترف أخيراً بأن القدس عاصمة «إسرائيل»». وتبنى خطاب بنس من دون أي تحفظ الرواية اليهودية مباركا كل قرار تتخذه «تل أبيب» بشأن الحل، ومنتقدا رفض الفلسطينيين لليد «الإسرائيلية» الممدودة للسلام على قاعدة «الحقوق» الدينية والتاريخية لليهود. وفيما أبدى تعاطفه العميق مع «الثمن الباهظ» الذي اضطرت «إسرائيل» لدفعه في الحروب، لم يشر بكلمة واحدة إلى الاحتلال «الإسرائيلي» القائم منذ أكثر من نصف قرن لمناطق 67. وقد قررت إدارة ترامب بعد الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» تخفيض المعونة التي تقدمها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بحوالي 65 مليون دولار من دفعة تبلغ 125 مليون دولار. ورغم إكثار ترامب من التهديد باستخدام التمويل سواء للسلطة أو للوكالة وسيلة لإملاء سياساته على الفلسطينيين إلا أن مبعوثيه يدعون أن هذه ليست عقوبات وإنما محاولات لإصلاح السلطة و«الأونروا». وترفض دول العالم السياسة الأمريكية هذه إلا أنها لا تعمل بجهد كبير لرفض مفاعيلها. وهكذا فإن الاتحاد الأوروبي لا يتردد في الإعلان عن أنه ليس بديلا لأمريكا ويطالب الفلسطينيين بالتأني والصبر. وبالمقابل فإن السلطة الفلسطينية لا تجد في الغالب تشجيعاً من جانب الدول العربية الرئيسية لمواصلة الصدام مع الإدارة الأمريكية. وربما أن هذا الواقع يشجع ترامب ونائبه ومبعوثيه على مواصلة الاعتقاد أن بوسعهم تحقيق غاياتهم في نهاية المطاف. وسبق لرئيس الحكومة «الإسرائيلية» أن أعلن أن الإدارة الأمريكية لا تزال تعمل على بلورة خطة سياسية ستعرضها قريباً. وتتحدث أوساط أمريكية و«إسرائيلية» عن أن الخطة ربما تعرض في مارس/آذار المقبل. ولكن من الواضح أن المعطيات الحالية لا تؤكد أن الخطة، إذا ما عرضت، ستكون قابلة للتنفيذ. فحالة الاستنفار الحالية في صفوف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تمنع إمكانية العودة إلى المفاوضات بالشروط الحالية. كما أن الوضع السياسي الداخلي المتشنج داخل «إسرائيل» والخلافات الجوهرية في صفوف اليمين حول التسوية لا تسهل على حكومة نتنياهو المناورة على هذا الصعيد. وفي أسوأ الحالات يمكن أن تقود التحركات الأمريكية الحالية إلى استصدار المزيد من المواقف السلبية من قضايا الحل النهائي بعد أن«أزيحت» القدس و«شلت» مسألة اللاجئين وبعد التشكيك في حل الدولتين. ويبدو أن الفلسطينيين لا يجدون في الحلبة السياسية داعما رئيسيا لهم خصوصا وأن الوضع الإقليمي العربي منقسم على ذاته. وهذا ما يدفع السلطة إلى التركيز على التشدد في الألفاظ والابتعاد عن خطوات عملية يمكن أن تكون لها عواقب كبيرة. ولذلك تترنح عملية المصالحة الداخلية ولا يتوقف التنسيق الأمني وتبدأ عملية النزول عن الشجرة بتأكيد التمسك بدور الرباعية الدولية التي لعبت على مدى السنوات الماضية دور الداعم للدور الأمريكي في التسوية. في كل حال يبدو أن الوضع الفلسطيني يتجه وبسرعة نحو تكرار الظروف التي سبقت انتفاضة الأقصى عندما دخلت التسوية في طريق مسدود. ربما أن هناك من يحاول عدم تكرار أخطاء الماضي، ولكن واضح أن الانتفاضة الثالثة إذا ما نشبت لن تترك مجالاً لأحد أن يحدد لها وجهتها وسيكون هدفها الأول منع تنفيذ «صفقة القرن». helmi9@gmail.com

مشاركة :