شهدت أسواق الأسهم العربية حالة من التراجع الكبيرة في أولى جلسات الأسبوع الأول بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى المبارك ولم يَنجُ من هذا الانخفاض أي منها، واستطاعت أسواق الإمارات بورصتي «دبي وأبوظبي» وبورصة عمان أن ترتفع بعد إجازة عيد الأضحى؛ لكن مع بداية الأسبوع لحقوا بنظرائهم في بقية الأسواق العربية. وأظهر تحليل لـ«الوحدة الاقتصادية» مداومة ارتفاع غالبية الأسواق العربية بعد إجازة عيد الأضحى خلال الخمس سنوات الماضية، والتي لم تشهد تراجعا حادا سوى في عام 2009، والذي تأثرت أغلب الأسواق العربية فيه بأزمة دبي العقارية والتي ألقت بظلالها على غالبية تلك الأسواق. ورغم اعتماد التحليل الفني على فرضية أن التاريخ يعيد نفسه؛ إلا أن هذا لم يحدث بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى وهو ما عزاه المحللون إلى أن الاقتصاد العالمي وما يعانيه حاليا وتأثير أسعار النفط على الأسواق العربية ألقت بظلالها على البورصات العربية وهو ما لم يحقق تلك النظرية وعدم اعتمادها في أوقات معينة وارتباطها بدورات زمنية كبيرة وليس بحالة وقتية محددة تؤثر على نفسيات المتداولين. وجاء في صدارة الأسواق العربية المتراجعة سوق دبي بخسارة مؤشره الرئيسي 6.54 في المائة، ثم المؤشر العام للسوق السعودية والذي تراجع في «أولى جلسات الأسبوع» وأول يوم للسوق بعد إجازة عيد الأضحى بنسبة (6.51 في المائة)، خاسرا 706.1 نقطة، ليغلق عند 10145.38 نقطة، بينما كان قد أغلق في آخر جلسة قبل الإجازة عند 10851.48 نقطة، مسجلا بذلك أكبر خسائر نقطية له منذ الأزمة العالمية، والتي شهدها بعد عودة السوق من إجازة عيد الفطر في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2008 خسر 731.9 نقطة بتراجع نسبته 9.81 في المائة. ووصلت السوق السعودية لأدنى مستوى لها منذ أكثر من شهرين، وتحديدا منذ 23 يوليو (تموز) 2014 حيث وصلت حينها إلى نفس مستويات اليوم، وخسرت الأسهم السعودية 142 مليار ريال من قيمتها السوقية، بعد تراجعها إلى 2.07 تريليون ريال مقابل 2.21 تريليون ريال قبل إجازة عيد الأضحى، وبنسبة تراجع 6.41 في المائة. وتأتي تلك التراجعات بالأسواق العربية بعد تخفيض صندوق النقد الدولي لتنبؤاته للنمو العالمي في عام 2014 إلى 3.3 في المائة من 3.4 في المائة وهو ثالث تخفيض هذا العام مع انحسار احتمالات تعاف مستدام من الأزمة المالية العالمية في 2007 - 2009، محذرا من أداء ضعيف في الدول الرئيسية في منطقة اليورو وفي اليابان وأسواق صاعدة مثل البرازيل. وحث الصندوق بلدانه الأعضاء على اتخاذ إجراءات جريئة لتعزيز التعافي الاقتصادي العالمي في ظل تعثر اقتصاد اليابان وتعرض منطقة اليورو لخطر الكساد وعدم قدرة التعافي الأميركي على توليد زيادة في الدخول. وجاءت تحذيرات الصندوق لتلقي بظلالها على الأسواق العالمية والتي كانت تعمل خلال إجازة عيد الأضحى المبارك، حيث أغلق مؤشر الـ«داو جونز» الصناعي في نهاية الجمعة قبل الماضية منخفضاً بنحو 115 نقطة عند 16544، كما هبط مؤشر الـ«نازداك» إلى 4276 ليشهد أكبر خسارة أسبوعية في عامين، وتراجع مؤشر الـS&P الأوسع نطاقاً الذي يتكون من 500 شركة كبيرة إلى 1906، لينخفض خلال الأسبوع 3.1 في المائة وهي أكبر خسائر منذ مايو (أيار) 2012. وسبقت التراجعات الأميركية خسارة للأسهم الأوروبية التي هبطت مؤشراتها عند إغلاق الجمعة قبل الماضية، وسجلت أكبر خسائر أسبوعية منذ شهر مايو 2012 وسط مخاوف حيال مواجهة البنك المركزي الأوروبي، لعقبات في إجراءاته لإعادة إنعاش اقتصاد منطقة اليورو. وانخفض مؤشر «ستوكس يورب 600» بنسبة 1.4 في المائة إلى 322 نقطة، وهو أدنى مستوى إغلاق منذ الخامس من فبراير (شباط). ومع هذه المعاناة التي تشهدها الأسواق الأوروبية، قالت وزارة المالية الألمانية الجمعة قبل الماضية، إن المخاطر الجيوسياسية وتباطؤ الطلب على السلع الألمانية في منطقة اليورو ألقت بظلالها على توقعات النمو في أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو. وصرحت الوزارة في تقريرها الشهري عن شهر أكتوبر الحالي أن أداء الاقتصاد العالمي، وخصوصا منطقة اليورو حالياً جاء دون التوقعات، حيث أضرت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا والصراعات الأخرى بالأعمال ومعنويات الشركات لينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المائة على أساس فصلى في الربع الثاني من هذا العام. ولم يكن أداء الأسهم العالمية هو العامل الأكبر في تراجع الأسواق العربية بل تدخل النفط أيضا، حيث سجل الخام الأميركي الأسبوع قبل الماضي أسوأ خسارة أسبوعية منذ يناير (كانون الثاني)، وخام برنت يسجل ثالث خسارة أسبوعية له. وجاء هذا التراجع مع كشف التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية عن تخفيض توقعاتها لنمو الطلب على النفط خلال عام 2014 لأدنى مستوياته منذ خمس سنوات، وخفضت الوكالة توقعاتها للكميات المطلوبة من النفط هذا العام بنحو 200 ألف برميل يومياً لتصل إلى 700 ألف برميل يومياً. ويظهر تأثير هذا التراجع جليا مع مساهمة الإنتاج النفطي في اقتصاد الدول الخليجية ليظهر تحليل الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط» احتلال الكويت المرتبة الأولي خليجياً من حيث الاعتماد على النفط، والذي شكل نحو 64 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، تلتلها دولة قطر بنسبة 54 في المائة، وجاءت سلطنة عمان بنسبة 49 في المائة، ثم المملكة العربية السعودية 47 في المائة، والإمارات العربية المتحدة 33 في المائة، والبحرين بـ28 في المائة. وأكد جاسم محمد الجبران، المحلل لدى «الجزيرة كابيتال»، أن ما حدث بالأسواق نتج عن تأثير تراجع أسعار النفط القوية بسبب ارتفاع المعروض وزيادة الإنتاج والتي بدورها لها آثار سلبية على اقتصادات المنطقة باعتبارها تعتمد بشكل كبير في ميزانياتها على عوائد النفط. ونفى الجبران فشل التحليل الفني في توقع أحداث ما بعد عيد الأضحى، حيث شهد شهر أكتوبر أسوأ أداء من حيث العائد خلال العشر سنوات الماضية عند 4.1 في المائة، وبدراسة بعض النماذج الفنية يتضح أن المؤشرات الفنية أغلبها سلبية وتنصح بالانتظار خارجاً وفتح مراكز جديدة بنهاية أكتوبر. ويرى الجبران أن السنتين الأخيرتين انخفض ارتباط الأسواق الخليجية والسوق السعودية تحديداً مع الأسواق العالمية بشكل ملحوظ من خلال عدم التوائم في الحركة اليومية؛ ولكن من المعروف أن الأزمات الاقتصادية قد تلقي بظلالها على معظم الأسواق، وخصوصاً أن ما حدث حاليا هو ليس فقط بسبب التوقعات بتراجع النمو؛ ولكن بشكل أكبر بسبب ما تواجهه أسعار النفط من تراجعات قوية. وتوقع الجبران أن تمر السوق السعودية خلال الفترة المقبلة بنوع من التماسك عند 9800 نقطة مع محاولة للارتدادات القصيرة؛ ولكن ستستغرق هذه التذبذبات وقتاً حتى عودة الأمور إلى طبيعتها وتحسن أسعار النفط وتراجع مستويات الدولار الحالية. وقال الجبران، إن التحليل الفني يعتبر وسيلة ناجحة لاتخاذ القرار الاستثماري ولا يقل أهمية عن التحليل المالي، وخصوصاً في تحديد مناطق الدخول والخروج الأنسب، ولا شك أن التاريخ دائماً ما يعيد نفسه في حركة الأسواق المالية وبالإمكان بناء التوقعات على النماذج والحركات السابقة للسوق. واتفق أحمد عصام المحلل الفني لدى إدارة الأصول بشركة نعيم مع «الجبران» على أهمية المؤشرات الفنية في التعامل مع السوق حتى في وقت الأزمات، مؤكدا على أن قاعدة «التاريخ يعيد نفسه» هي قاعدة صحيحة ولكن تطبيقها لا يلزم أن يكون بنسبة نجاح 100 في المائة فيمكن أن تنجح بنسبة 70 في المائة أو 80 في المائة. مضيفا أن «الظروف التي مرت بالأسواق العربية مختلفة تماما عن مثيلتها في نفس الأوقات الماضية، وهو الذي انعكس على أداء الأسهم بعد نهاية إجازة عيد الأضحى». وعزى عصام التراجع في الأسواق العربية إلى هبوط أسعار البترول بشكل كبير، وتأثيرها على اقتصادات الدول الخليجية، مع انخفاض الأسواق العالمية وموجة جني الأرباح التي طالت غالبية مؤشرات الأسهم العالمية. بالإضافة إلى صعود السوق السعودية والإماراتية خلال الفترة الماضية بشكل مبالغ فيه، مما جعل الكثير من بيوت الخبرة العالمية تدعي أن أسعار الأسهم أصبحت تتجاوز قيمتها العادلة، مما جعل الكثير من المؤسسات تفكر في تسييل محافظها المالية للاستفادة من تراجع الأسواق والشراء بأسعار أقل. ونفى عصام فكرة ارتباط الأسواق العربية بنظيرتها العالمية بشكل كبير خلال الفترة الحالية، حيث ما زال هناك ارتباط ولكن لا يماثل ما كان في عام 2008 على سبيل المثال، وتراجع الأسواق العالمية خلال الفترة الحالية أوجد عاملا نفسيا لدى المستثمرين، بالإضافة للأسباب سالفة الذكر لقيامهم بموجة جني أرباح كبيرة. ويرى عصام أن الأسواق كان لا بد لها أن تمر بفترة تصحيحية في ظل اتجاه عام صاعد، متوقعا استمرار الصعود خلال الفترة القادمة حتى لو شابه بعض التصحيح المفيد للأسواق والدافع لبناء مراكز سعرية جديدة. من جانبه، قال أحمد عياد، كبير المحللين لدى «مباشر للخدمات المالية»، إن التحليل الفني لا يقف عند نقطة معينة من الزمن وإنما يهتم بقراءة الفترات الزمنية الطويلة ويسمى هذا بعلم الدورات الزمنية مثل دورة الشمس والتي يبلغ طولها 22.2 عاما، وغالبا ما يتبع انخفاض النشاط الشمسي فترة من الجفاف بعاميين. ويرى عياد أن الانهيار بالبورصات العربية كان متوقعا فنيا في ظل تقدم مؤشرات الأسواق العالمية مثل الـ«داو جونز» والـS&P الأميركيين إلى مستويات مقاومة هامة حدث بعدها حالة من جني الأرباح ألقت بظلالها على الأسواق العربية. وشدد عياد على أن الأسواق العربية ستظل مرتبطة مع نظيرتها العالمية في ظل ارتباط متبادل للاقتصادات.
مشاركة :