الشارقة«الخليج» تنطلق، صباح اليوم، في الكويت الدورة الثامنة والثلاثون لمنتدى «التنمية الخليجي» وتستمر حتى الغد، وتحمل دورة المنتدى لهذا العام اسم الراحل «تريم عمران تريم».وينطلق منتدى هذا العام تحت عنوان: «الخليج والتحولات الإقليمية والدولية»، ويعقد في فندق «كراون بلازا» بالكويت، ويستهل المنتدى بكلمة يلقيها د. محمد الرميحي، يتحدث فيها عن دور الراحل تريم عمران تريم في الشأن السياسي والصحفي.ويناقش المنتدى، على مدار يومين، تأثير السياسة الأمريكية على مدركات السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون، وأثر بروز الصين كقوة عظمى في التنمية الاقتصادية بدول مجلس التعاون، والمستجدات العالمية وتحديات النمو في دول مجلس التعاون - أثر المستجدات الاقتصادية على مسار التنمية المستقبلية لدول الخليج، ودور البنوك الإسلامية في التنمية الاقتصادية في دول الخليج، وقضايا الهوية والتحولات المؤثرة والمُواطنة الخليجية في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية الراهنة.تحمل دورة هذا العام اسم الراحل تريم عمران تريم؛ نظراً للدور الكبير، الذي قام به الراحل على الصعيدين السياسي والصحفي في الإمارات ومنطقة الخليج العربي؛ حيث لعب الراحل تريم عمران تريم دوراً فاعلاً في جميع مراحل تأسيس وتطور دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان أحد دعاة «الاتحاد التساعي»، الذين طالبوا بتوحيد إمارات الخليج التسع، عقب خروج الاحتلال البريطاني في مطلع عقد السبعينات، وحينما بدا أنه من العسير قيام «الاتحاد التساعي»، كان تريم في مقدمة المُنادين لإقامة «الاتحاد السباعي»، الذي هو اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة.وانتقل تريم عمران تريم إلى رحمة الله تعالى في 16 مايو/أيار 2002، وكان ذلك اليوم حزيناً بكل ما تعنيه الكلمة؛ حيث حزن فيه كل من عرفه أو تابع نشاطه وحيويته في مجالي السياسة والإعلام، خاصة إبان مرحلة تأسيس الدولة، والدور الذي قام به بتكليف من المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله.هجع الفارس في مرقده الأخير، وبقيت كلماته وإنجازاته حية تنبض في تاريخ الإمارات وفي عقول الشباب والسياسيين والإعلاميين. «فارس» امتطى صهوة الكلمة فاتحاً ينبوعاً من العطاء للفكر الثقافي والسياسي والإعلامي.خمسة عشر عاماً مرت على رحيل تريم عمران تريم، عقد ونصف، تبددت خلاله أحلام دول، ونضبت أفكار آخرين، وجفت أقلام غيرهم؛ لكنّ الإرث الذي خلّفه «أبو نجلاء»، متجدد متدفق في جيل يمشي بين ظهرانينا، معطاء ينبض حيوية ودفقاً إنسانياً كبيراً. السيرة الشخصيةولد تريم عمران تريم، في إمارة الشارقة بدولة الإمارات عام 1942. وبدأ سنواته الدراسية الأولى في مدرسة القاسمية بمدينة الشارقة، والتحق بمدرسة الشويخ في الكويت، وأكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان أبو نجلاء ناصرياً ملتزماً بمبادئ الناصرية، وكان يحب جمال عبدالناصر، ويعده رمزاً خالداً للأمة العربية ولكل الشعوب التي تكافح من أجل حياة أفضل، وكان يؤمن بأنه لم يأتِ زعيم يطال قامة عبد الناصر، وأن العرب لن يكونوا بخير إلا إذا أتى من يمشي على خطى هذا الزعيم. مناصب تقلدهاشغل تريم عمران تريم عدة مناصب، فكان عضواً مشاركاً في مفاوضات تشكيل اتحاد الإمارات العربية المتحدة، وسفيراً للإمارات في جمهورية مصر العربية، ورئيساً لوفد الإمارات في الجامعة العربية حتى عام 1976. وفي عام 1977 انتخب رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي لدورتين متتاليتين، وكان عضواً مؤسساً في منتدى «التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي»، وعمل نائباً لرئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية»، وكان رئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، وعضواً في مجلس أمناء «مركز دراسات الوحدة العربية».تم اختيار تريم عمران تريم من قبل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه؛ ليصبح أول سفير للدولة في جمهورية مصر العربية، وأول مندوب لها في جامعة الدول العربية حتى عام 1976، ومارس تريم عمران مع مجموعة من الدبلوماسيين الإماراتيين العمل الدبلوماسي لمدة خمس سنوات بكفاءة مشهودة، وكان تريم عمران من السياسيين العرب القلائل، الذين كانوا ملمين بما يدور خلف الكواليس، من شؤون وشجون بالنسبة للبلاد العربية، بجانب إلمامه التام بما يدور في الساحة العامة، وكان- رحمه الله- قارئاً جيداً للشؤون العربية، وكان يستوعب ما يقرأ، ويستطيع بمقدرة فائقة أن يسرد ما قرأه سرداً تاماً، وبذاكرة حاضرة ومعرفة للأمور من جميع جوانبها.وتعلم تريم عمران كثيراً من فنون السياسة، وهو مندوب دائم للإمارات في الجامعة العربية، وكان كثير التردد على الدورات التي تعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتمرن في هاتين المؤسستين على فنون التخاطب والحديث في السياسة العربية والعامة. الراحل والصحافةبعد عودة تريم عمران من القاهرة عام 1968، كان مع شقيقه الراحل الكبير د. عبدالله عمران، ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات، التي سبقت الاتحاد السباعي للدولة، واتجه تفكيره إلى العمل الصحفي؛ حيث وفي هذا الصدد قال تريم عمران: «كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً، وينذر بمخاطر جمة، وصعوبات ستواجهها الإمارات، إذا استمر وضعها السياسي المتصف بالتجزئة والتفتت، الإنجليز قرروا الانسحاب، والمنطقة مجزأة، وليس هناك كيان سياسي واحد يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل، وجاء التفكير في إصدار أول جريدة سياسية تتصدى للمستجدات والتحديات بالرسالة الوطنية والقومية ذاتها».وكانت الخطوة الأولى هي إصدار مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، ثم أسس المرحوم تريم عمران تريم وأخوه المغفور له، بإذن الله، الدكتور عبدالله عمران تريم صحيفة «الخليج»، في عام 1970، وتجلت رسالتها في الدفاع عن كل القضايا الوطنية والقومية، ومناصرة الحق في كل مكان. وصدر العدد الأول من الجريدة في يوم الاثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول 1970، لتملأ فراغاً في الحقل الصحفي عانته المنطقة على مدار سنوات الاحتلال البريطاني، ورغم الإمكانات البسيطة والعوائق الكبيرة إلا أن «الخليج» استطاعت أن توجد لها موطئ قدم؛ بل إنها سجلت سبقاً صحفياً في عدد كبير من الموضوعات والقضايا الساخنة، وفي 29 فبراير/شباط 1972 توقفت «الخليج» عن الصدور؛ لدخول مؤسسيها مجال العمل العام في خدمة دولة الاتحاد الفتية.عادت «الخليج» للصدور في عام 1980، لتكمل مشوارها الذي بدأته قبل ذلك بعشر سنوات، ولتسير على النهج نفسه، وتكمل مسيرة الوحدة والبناء، وتكون صوتاً للحق ونبراساً للعلم والمعرفة، رافعةً شعار «للحقيقة دون خوف، وللواقع دون زيف»، وهذا الخط لا زالت تسير عليه حتى وقتنا الحاضر، ملتزمة بالرسالة التي قامت عليها، ومحافظة على المبادئ التي خطتها منذ العدد الأول. رئيس للمجلس الوطنيتم اختيار تريم عمران لرئاسة المجلس الوطني الاتحادي عام 1976، بإجماع الأصوات، وأحدث تريم عمران بتجاربه وحنكته السياسية في المجلس الوطني الاتحادي تغييراً جذرياً في مضمون العمل الذي كان المجلس يقوم به، وعرف الأعضاء لأول مرة أنهم يمثلون دولة واحدة لكيان موحد، وليس كل منهم ممثلاً لإمارته، إضافة إلى أن تريم عمران جاء بتنظيمات إدارية جديدة للمجلس، وشكل لجاناً؛ لمتابعة القضايا التي يبحثها المجلس ويصدر بشأنها القرارات اللازمة. وبتولي تريم عمران مجلس الرئاسة شهد المجلس عهداً جديداً من النشاط والمشاركة، لم يكن له بهما عهد، وبهذا التغيير في أسلوب إدارته ونشاط أعضائه أصبح المجلس قريب الشبه بالمجالس المنتخبة، وأصبح أعضاؤه بتشجيع من تريم عمران يطالبون بتغيير هيكل المجلس، وتحويله إلى مؤسسة ديمقراطية منتخبة، كما بيّنت المذكرة المشتركة.وحدث تواصل قوي بين المجلس والحكومة آنذاك، وكان لشخصية تريم عمران تأثير قوي في هذا التواصل، وشعر الجميع بأن المجلس لم يعد مجلساً يوقع على القرارات التي تقدم إليه؛ بل أصبح النقاش والتحليل والنقد أهم سمات هذا المجلس، الذي بدأ يناقش الأمور المصيرية للدولة الاتحادية، ويدعو إلى مزيد من التلاحم بين الإمارات، وتأكيد وجوب المشاركة الشعبية في القرارات المصيرية.وأثار تريم عمران بين أعضاء المجلس روح التضامن، والعمل من أجل الاتحاد ونبذ الإقليمية والأخذ في الاعتبار أن الإمارات دولة واحدة، وأن الذي يعمل العضو من أجله هو مواطن الاتحاد وليس مواطن الإمارة التي ينتمي إليها العضو. ويعد أعظم إنجاز استطاع المرحوم تريم عمران أن يحققه للمجلس وللناس هو المذكرة المشتركة التي توضح ما بذله من محاولات؛ لجعل المجلس الوطني الاتحادي يعمل من أجل خدمة الوطن وإعلاء شأنه.
مشاركة :