أزمة القدس تعيد فتح ملفات مبادرة السلام العربيةتتفاعل داخل الأوساط الدولية قضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتحريك قطارها المتوقف منذ سنوات، إثر إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اتخاذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس، وأثار هذا القرار الأميركي الملتبس الحاجة الماسة إلى العودة إلى فرص التفاوض من جديد بين الأطراف بإشراف دولي بما في ذلك إنعاش مبادرة السلام العربية التي وافقت عليها الدول العربية بالإجماع ومنظمة المؤتمر الإسلامي.العرب [نُشر في 2018/02/02، العدد: 10888، ص(7)]تبقى القدس قضية العرب الأولى بروكسل - أشارت مصادر دبلوماسية أوروبية إلى أن المواقف العربية التي صدرت بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، أتت جامعة بحيث أرسلت رسائل قوية إلى المجتمع الدولي برمته. وقالت هذه المصادر إن الاتحاد الأوروبي أُحيط علما بالإجماع الكامل داخل العالم العربي كما داخل العالم الإسلامي في هذا الصدد للبناء على الأمر في إنتاج مقاربة أوروبية جديدة لإزالة الجمود الذي أصاب العملية السياسية برمتها. وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات، في العاصمة الإسبانية الأربعاء، إن “هناك مبادرة عربية لم ترد عليها إسرائيل بالشكل المناسب ولم تتقدم حتى بمبادرة بديلة، ولكن الوضع على الأرض يزداد سوءاً، إذ أن الفلسطينيين أصبحوا أقل أملاً في إنهاء هذا الصراع وفي الحصول على حق تقرير المصير وفي إنهاء هذا الصراع بين الدولتين”. وذكر الشيخ عبدالله في مؤتمر صحافي عقد مع نظيره الإسباني ألفونسو داستيس أن العرب تقدموا بمبادرة تقوم على عودة أراضي 67، مقابل تطبيع كل الدول العربية مع إسرائيل، وأن هذه المبادرة تم تبنيها من قبل منظمة التعاون الإسلامي التي أضافت 35 دولة لذلك. من جهته شدد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، الأربعاء، في بروكسل، على القلق الذي أثاره على المستوى الدولي قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، مشيرا إلى “الأهمية التي تحظى بها مدينة القدس ليس فقط بالنسبة لأطراف النزاع، بل أيضا لمعتنقي الديانات السماوية الثلاث (..) وهو ما يفسر القلق المشترك بخصوص الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تنتج عن هذا القرار على السلام والاستقرار في منطقة تعاني من أزمات عميقة”. ورصدت مراجع أوروبية معنية بشؤون النزاع العربي الإسرائيلي أن العواصم العربية، ورغم موقفها الموحد من موضوع القدس، متمسكة بخيار السلام وتعتبر أن المبادرة العربية الصادرة عن القمة العربية في مارس 2002 ما زالت حتى إشعار آخر دستور النظام السياسي العربي في مقاربة مسألة السلم في الشرق الأوسط. وقال الشيخ عبدالله إن “هناك سؤالاً لا بد أن يجاوبه السياسي ويجاوبه الشعب الإسرائيلي، هل إسرائيل تريد أن تبقى دولة مستعمرة؟ وهل إسرائيل تريد أن تنهي هذا الصراع بوجود دولة واحدة وبحقوق متساوية أو إسرائيل تريد أن تكون بلداً يشابه نظام الـ’أبارتايد’ في جنوب أفريقيا؟”. واعتبرت هذه المراجع أن الموقف العربي ما زال يوفّر للمجموعة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، أدوات واعدة للعبور نحو استراتيجيات أخرى أكثر فاعلية. وقال الوزير المغربي في مداخلة له أمام الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمجموعة التنسيق من أجل الشعب الفلسطيني (لجنة الاتصال الخاصة)، العمل الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس، الجهاز التابع للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، والتي يترأسها العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن بلده “يجدد باستمرار التأكيد على تشبثه بجهود المجموعة الدولية من أجل البحث عن حل عادل، شامل، ودائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار الشرعية الدولية والقرارات الأممية”. ودعا إلى البحث “جميعا عن السبل والوسائل الكفيلة بتجاوز الطريق المسدود الحالي، والتشجيع على إعادة الإطلاق الفعلي لمفاوضات السلام على أسس صحيحة، من أجل التوصل إلى سلام عادل وشامل، يضمن الحقوق المشروعة وأمن بلدان المنطقة”. وأشار بوريطة إلى أن “المجموعة الدولية مدعوة إلى تجديد تشبثها بخيار السلام، والذي لا يمكن بلوغه سوى عن طريق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، طبقا لحل الدولتين”، مضيفا أن ذلك سيتحقق من خلال دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن.الشيخ عبدالله بن زايد: هناك مبادرة عربية للسلام لم ترد عليها إسرائيل بالشكل المناسب ولم تتقدم حتى بمبادرة بديلة موقف أوروبي داعم للعرب تؤكد دوائر أوروبية في بروكسل أن الموقف الأوروبي يتسق تماما مع الموقف العربي في شأن الانسداد الخطير الذي أحدثه القرار الأميركي داخل ملف التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وأن العواصم العربية، كما تلك الأوروبية، ولو بدرجة أقل وضوحاً، تحمّل إسرائيل وحكومتها الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو مسؤولية انهيار آمال السلم في هذا المجال، وأن النظام العربي بات أكثر تشددا في اتهام تل أبيب بعدم تقديم ما يمكن أن يكون مسهلا للمبادرات الخارجية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة تسوية على أساس حلّ الدولتين. وقال الشيخ عبدالله في هذا الصدد “نعتقد أن هناك فهماً دولياً (…) وأطمح أن أرى منطقة يسودها السلام ويسودها الاستقرار وتسودها التنمية، كما نعتقد أننا نستطيع أن نكون شركاء في محيط الشرق الأوسط، ولكن هذه الشراكة تتطلب إنهاء هذا الصراع من قبل الطرفين، وتغيير النهج الذي استمرت عليه إسرائيل وأسسه الإسرائيليون منذ أكثر من 50 سنة”. وتابع وزير خارجية الإمارات أنه من “الواضح أن الوضع الحالي غير ممكن أن يستمر، ولكن آمل أن نرى سياسيين أكثر نضجاً من الجانب الإسرائيلي يستطيعون أن يُنعِشوا آمال الإسرائيليين وآمال الفلسطينيين وآمال العرب والشرق الأوسط بمستقبل أكثر ازدهارا”. وأشارت مصادر دبلوماسية عربية إلى أن التصريحات الصادرة عن الوزيرين الإماراتي والمغربي تعبر بشكل واضح عن قاسم مشترك يجمع كافة الحساسيات العربية في المشرق والمغرب والخليج لدعم الفلسطينيين لا سيما في هذه المرحلة، كما للضغط على كافة العواصم الفاعلة في العالم من أجل ممارسة ضغوط على إسرائيل لتحريك الملف الفلسطيني، علما أن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، من شأنه أن يدعم خيار التطرف في إسرائيل وليس توجهات الاعتدال والتسوية. ولفتت مصادر أميركية من وزارة الخارجية الأميركية إلى أن الخطة التي وعد بها الرئيس ترامب في مسألة نزاع الشرق الأوسط ما زالت قيد الإعداد، وأن تلميح الرئيس الأميركي إلى ضرورة أن تقدم إسرائيل تنازلات ما مقابل ما قام به من اعتراف كان مؤجلا منذ عام 1995 بالقدس عاصمة لها، ما زال لم يلق الآذان الصاغية المطلوبة من قبل نتنياهو وتحالفه الحكومي. فرصة لإنعاش المبادرة العربية اعتبرت هذه المصادر أن المعلومات المتعلقة بالخطة الأميركية ما زالت شحيحة، خصوصا وأن نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس في زيارته الأخيرة للمنطقة استمع في القاهرة وعمان إلى وجهة نظر عربية متشائمة من إمكانية دفع ملف السلم في المنطقة على أرضية القرار الأميركي بشأن القدس وعلى قاعدة سحب المدينة من المفاوضات على حد تعبير دونالد ترامب نفسـه. وغير أن مراقبين أوروبيين لفتوا إلى أن المواقف العربية التي أعلنت في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة كما تلك التي سمعها بنس في مصر والأردن وتلك التي عبر عنها الوزيران الإماراتي والمغربي قد توفر فرصة جديدة لإنعاش المبادرة العربية بعد أن أضحت وثيقة جامدة من وثائق الجامعة العربية كما من الوثائق المهملة دوليا. ويضيف هؤلاء أن وعيا دوليا جديدا قد استجد داخل المجتمع الدولي إثر القلاقل التي ضربت المنطقة منذ عام 2011 ومنذ انتشار الإرهاب في المنطقة من ليبيا في شمال أفريقيا إلى سوريا في المشرق مرورا باليمن ومناطق أخرى، وأن الحرب الدموية ضد داعش أثارت نقاشا داخل الأروقة الأوروبية خصوصا حول ضرورة الدفع باتجاه مخارج حل للمسألة الفلسطينية بغية إحداث تبدل في توازنات المنطقة باتجاه إرساء المزيد من الاستقرار.ناصر بوريطة: علينا جميعا البحث عن السبل الكفيلة بتجاوز الطريق المسدود وإعادة إطلاق مفاوضات السلام وفي نفس الموضوع أكّدت دولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها مانحاً رئيسياً على مر السنين للسُلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، على التزامها بمواصلة جهودها للمساعدة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني. جاء ذلك خلال اجتماع الـ28 عضوا للجنة المانحين الدوليين لفلسطين في الجلسة الاستثنائية على المستوى الوزاري، والتي استضافها الاتحاد الأوروبي وترأستها النرويج في بروكسل الخميس بحضور وزراء من الإمارات والمغرب ومصر والأردن وسفراء كل من السعودية والكويت ببروكسل، حيث أدلت الوفود بكلماتها. وأكّدت دولة الإمارات على التزامها الكامل بهذه العملية، وتأييدها تأييداً تامّاً للبيان الذي أَدلى به الممثل السامي للاتحاد الأوروبي خلال الاجتماع؛ ومفاده أنّه لا بد من بذل كل جهد ممكن لتعزيز فرص نجاح السلام المستند إلى الإجماع الدولي حول قيام دولتين تعيشان في سلام وأمن، وذلك من خلال دعوة جميع الأطراف بشكل عاجل إلى الامتناع عن القيام بأي عمل يمكن أن يقوّض هذه النتيجة. وأشارت مصادر خليجية إلى أن مسألة الصراع الدولي والإقليمي مع إيران يجب أن تتكامل مع جهد دولي باتجاه حل للمسألة الفلسطينية، وأنه من غير المسموح به أن تتذرع إسرائيل بالأخطار الإيرانية لإقفال باب التسويات السلمية في المنطقة. ولفتت هذه المصادر إلى أن التعنت الإسرائيلي في هذا الشأن هو ما يسمح لإيران وحزب الله وجماعات الإرهاب في المنطقة بالتحرك والرواج باسم المظلومية الفلسطينية. ونُقل عن دوائر أوروبية أن وجهة النظر الخليجية في هذا الشأن باتت تبحث داخل أروقة بروكسل، وأن بعض المنابر النافذة داخل الاتحاد الأوروبي بدأت نقاشا مع منابر أميركية بشأن أن تكون مواجهة إيران من قبل واشنطن وحلفائها متواكبة مع ورشة دولية كبرى للدفع باتجاه تسوية شاملة تقام على أساسها دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل وفق اتفاقات وتفاهمات دولية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين كما مصالح السلم والاستقرار في المنطقة التي باتت المصدر شبه الوحيد للفوضى والإرهاب في العالم.
مشاركة :