لوحات ذاتية وشخصية تتجاور وتتنافر في صالة بيروتية بقلم: ميموزا العراوي

  • 2/2/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المعرض يضم ما يقارب مئتي لوحة ذاتية وشخصية لفنانين تشكيليين من الشرق الأوسط تم عرضها مع مراعاة لأساليبها الفنية وللمرحلة الزمنية التي أنتجت فيها.العرب ميموزا العراوي [نُشر في 2018/02/02، العدد: 10888، ص(17)]آثار فنية مصنوعة من الأدب بيروت - تجربة فنية فريدة من نوعها هي التي أتاحها صالح بركات لمحبي الفن التشكيلي عندما أقام معرضا في صالته الأولى، صالة “أجيال” للفنان ساشا أبوخليل، ليطلق معرضا آخر في صالته الثانية، شبه المتحفية بحجمها وتصميمها، ضم ما يقارب مئتي لوحة ذاتية وشخصية لفنانين تشكيليين من الشرق الأوسط، كان قد جمعها خلال ما يقل عن خمس وعشرون سنة. وخلال لقاء على هامش المعرض صرح صالح بركات أنه أراد من خلال تنظيم هذا المعرض "محاولة تغيير النظرة النمطية إلى فن البورتريه، فمعظم زائري المعارض ومقتني اللوحات لا يستسيغون الحصول على لوحات تجسّد الفنان أو تصوّر أشخاصا مجهولين أو غرباء بالنسبة إليهم”. ومعظمهم يعتبر أن وضع “صورة شخص غريب في حميمية منازلهم أمر غير مُحبب”، وأضاف بركات “فن اللوحة الذاتية أو التصويرية هو فن قائم بذاته له أساليبه وتقنياته وسماته ونجاحاته وإخفاقاته، مثله كمثل أي نوع من أنواع الفنون التشكيلية الأخرى، لذا أحببت أن ألفت النظر إلى أن ما ينظر إليه أي مشاهد، ليس هو صورة هذا أو ذاك الشخص، إنما جمالية تعبيرية العمل الفني". ونظم الفنان إلى جانب هذا المعرض الضخم الذي قدمه للجمهور اللبناني معرضا فرديا للفنان ساشا أبوخليل الذي حرّك من دون أدنى شك طريقة النظر إلى الصور الذاتية، وتلك التي تصوّر أناسا “غرباء” وإن عرفنا شيئا من حقيقتهم في الروايات الأدبية الشهيرة، وقد جاء معرضه الثاني في الصالة الشقيقة إمعانا في التأكيد على أهمية هذا الفن، ودفاعا عنه في الآن ذاته.في المعرض لوحات سيكولوجية وأخرى ذاتية أكثر منها شخصية، لأنها تنضح بما هو أبعد من الشخصي ويضم المعرض في صالة صالح بركات المتحفية لوحات تعود إلى بداية القرن العشرين حتى يومنا هذا، تم عرضها مع مراعاة لأساليبها الفنية وللمرحلة الزمنية التي أنتجت فيها، وبوصفه معرضا جماعيا وجب ذكر أسماء بعض من أصحاب اللوحات، و منهم: أسادور، بول غيراغوسيان، سعيد بعلبكي، صاليبا الدويهي، فريد حداد، ماري حداد، فاتح مدرس، ناظم الجعفري، سيتا مانوكيان، رشيد وهبي، هيلين خال، ساشا أبوخليل، حبيب سرور، شارل شهوان، رفيق شرف وتوفيق عبدالعال. وبرز الجهد الكبير الذي وظفه القيمون على الصالة في محاولة “تصنيف” وعرض بورتريهات وفق توجهاتها “المزاجية” الخاصة بها والمُختلفة، فهناك اللوحات الشخصية التي تُبرز ملامح شخصيات من العالم البرجوازي في بدايات القرن العشرين، ولوحات أخرى ذات منحى اجتماعي خرجت من إطار اعتبارها لوحات شخصية لتتّصل بالجماعة وحسّ الانتماء إلى مجتمع يتشارك أبناؤه في العديد من ملامحه. ونذكر هنا لوحة لهلا عزالدين، وهي من اللوحات التي صوّرت فيها أولادا هجرتهم الحرب والفقر، فلم تعد لهم أسماء خاصة وإن عكفت الفنانة على تعطي أسماءهم الشخصية للوحات، وهناك لوحة للفنان سروان بران تمثّل أحد الشحّاتين، وهي لوحة نقيض للوحات المعروضة التي تمثّل شخصيات برجوازية، صحيح أنها لوحة تمثّل شخصا ما واضحة ملامحه، ولكنها لوحة خارجة عن النطاق الشخصي، وليؤكد الفنان على ذلك نثر في خلفية اللوحة مجموعة أرقام، ثم أعطاها هذا العنوان الفذ “أنا واحد منكم". وهناك لوحة للفنانة ريما أميوني تقع ضمن اللوحات غير القابلة للتصنيف، فاللوحة المعروضة تمثّل امرأة جالسة في الحديقة، غير أنها منزوعة الصفات الداخلية التي تعطيها حضورا معنويا قد يقلق من لا يحب اقتناء البورتريهات. وفي المعرض لوحات “سيكولوجية” كلوحة لسبهان آدم، وتوجد أيضا لوحات ذاتية أكثر منها شخصية، لأنها تنضح بما هو أبعد من الشخصي في تفاعل فني ونفسي مع ما يحيط بالشخصية المرسومة، والتي هي الفنان ذاته، نذكر من تلك اللوحات لوحتين للفنان أسامة بعلبكي ولوحة لعمر خوري. وعلى الرغم من اقتناع صاحب الصالة بأن لوحة البورتريه هي نتاج فني أصيل، ربما يحلو اقتناؤها كباقي اللوحات، غير أن الأكثرية قد تجد صعوبة في ذلك، فمنذ أن خرجت اللوحات الفنية تاريخيا عن كونها تصوّر شخصيات دينية وتاريخية كالقديسين والملوك وقادة الحروب لداعي الأرشفة، أو توطيد العلاقة مع “الغائب/ الحاضر”، اتجهت اللوحات الشخصية إلى ما يُشبه مغاور شبه مُضاءة، حيث تبدو كل الشخوص المرسومة وخاصة المجهولة مسكونة بأرواح غريبة أو بشرور أو بطاقات مجهولة. ولعل الكاتب إدغار آلان بو وفرانز كافكا هما من أروع الأدباء الذين استنطقوا هذه اللوحات في قصص قصيرة ومخيفة عن لوحات معلّقة على جدران رطّبتها المخاوف الموغلة في اللاوعي، ربما فقط في هذا السياق تتحرّك عقارب الحياة من تلقاء ذاتها ضد الفن، لأنه أصبح شبحيا ومنافسا لها. إنها اللوحة التي تنظر إليك، وهي بكل تأكيد تنتظر منك شيئا لست قادرا أو غير راغب أنت في تقديمه لها كي تخفض “أجفانها” المئة وتختفي.

مشاركة :