قال مراقبون إن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى تونس استبطنت رسالة مشفرة مفادها أن باريس ليس بوسعها تقديم من المساعدات المالية أكثر مما قدمت فيما شدد خبراء على أن البلاد ليس أمامها بعد الرسالة سوى تطوير مفهوم الشراكة والانفتاح على شركاء جدد. ولم تخف دوائر مقربة من الرئاسة التونسية "استياءها" من "بساطة المساعدات" التي أعلنها ماكرون غير أنها وصفت بالمقابل الزيارة بـ"الناجحة على المستوى الدبلوماسي". وكثيرا ما راهنت تونس على الزيارة لتستقطب أكثر ما يمكن من المساعدات المالية لإنعاش الاقتصاد غير أن رهانها تبخر في ظل اكتفاء باريس بنوع من الصدقة. ولم تتعد المساعدات عتبة 70 مليون أورو، 50 مليون اورو مخصصة لإحداث صندوق لدعم المستثمرين الشباب، وتحويل 30 مليون من الديون إلى استثمارات. وبدت تلك المساعدات قطرة في ظل حاجة تونس إلى نحو 400 مليون أورو لتغطية العجز المالي الذي تسلل إلى موازنة الدولة بنسبة تناهز 6 بالمئة من الناتج المحلي. وأقرت الدائر المقربة للرئاسة التي رفضت الكشف عن هويتها وهي تتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين بأن "المساعدات لم تكن في حجم تطلعات تونس". وأضافت تقول "إن الزيارة حملت دعما سياسيا ودبلوماسيا للتجربة الديمقراطية أكثر مما حملت دعما ماليا كفيلا بتخفيف الأزمة الهيكلية التي قد تهدد التجربة". وفيما كانت تونس تراهنت على الزيارة للارتقاء بالعلاقات من المستوى التقليدي إلى المستوى الاستراتيجي اكتفت باريس بالمحافظة على نسق العلاقات التقليدية جدا. وبدت الزيارة، كما يذهب إلى ذلك مراقبون، رسالة موجعة مفادها أن دعم فرنسا لتونس هو دعم سياسي ودبلوماسي أكثر مما هو دعم مالي يستجيب لحاجياتها. وقال عبدالرحمان الصيد الأخصائي في العلاقات الدولية "لم تحمل زيارة ماكرون التي احيطت بهالة سياسية وإعلامية مفرطة سوى رسالة واحدة مفادها أن باريس ليس بوسعها تقديم من المساعدات أكثر مما قدمت، وهي عبارة عن فتات أو صدقة". وأضاف الصيد إلى مراسل ميدل ايست أونلاين "المهم أن تقتنع السلطة بأن شركاءها التقليديين يكتفون بالتعبير عن الدعم السياسي الذي لا يخلو من نزعة إلقاء الدروس المحسوبة سلفا". وشدد على أن "رسالة ماكرون لا تقتصر على باريس وإنما تشمل مختلف دول بلدان الاتحاد الأوربي التي تستحوذ على 80 بالمئة من المبادلات التجارية". وفي ظل "استهلاك" تونس للأسواق الأوروبية التي تعاني هي نفسها من تدني أداء اقتصادها باتت تونس مضطرة للانفتاح على أسواق جديد صاعدة لا لاستجدا المساعدات وإنما لضخ أكثر ما يمكن من الاستثمارات من خلال مشاريع منتجة. وخلال السنوات السبع الماضية بدت تونس منطوية على شركائها التقليديين ولم تبذل الجهود الكافية لاستثمار أسواق صاعدة على غرار السوق الصينية وغيرها. ويرى الخبراء أن بلدان الاتحاد الأوروبي باتت تصنف في إطار السوق العجوز بعد أن غرقت هي نفسها في أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة حتى أنها باتت تعهّداتها بالدّعم لا تتعدى المواقف السياسيّة أو لنقل انها تعهدات لا ترقى إلى مستوى تطلعات شركائها. ويقول منصف الساحلي الخبير الاقتصادي"هناك أسواق اقتصادية صاعدة منها السوق الصينيّة والروسيّة والخليجية وبعض بلدان أوروبا الشرقية يمكن المراهنة عليها". ويضيف الساحلي "الغريب أن تونس لم تستثمر أسواق موقعها الجغراسياسي وفي مقدمتها السوق الإفريقية وهي أسواق واعدة". ويبدو أن رسالة ماكرون دفعت بتونس إلى التفكير لا فقط في الانفتاح على أسواق جديدة وإنما مراجعة مفهوم الشراكة من الاقتصار على المساعدات إلى مشاريع الاستثمار". وأقرت الدوائر المقربة من الرئاسة بأن "الرهان على الشركاء التقليديين يكاد ينتهي وتونس اليوم تتجه نحو استقطاب استثمارات من أسواق جديدة منتجة للثروات". وقالت "علينا اليوم أن نتجه إلى السوق الصينية واليابانية والروسية والخليجية والأفريقية لا من أجل استجداء المساعدات وإنما بهدف إطلاق مشاريع استثمارية تحرك الاقتصاد". وتمتلك هذه الأسواق تجارب عريقة في مشاريع استثمارية صغرى لا تتطلب إمكانيات مالية هائلة وتركز على قطاعات محددة كفيلة بتوفير التنمية والشغل وتحريك الاقتصاد. وشددت ريم بن مريم الأخصائية في التنمية الاجتماعية على أن "انفتاح تونس على شركاء جدد يجب أن يتركز على إطلاق مشاريع صغرى وهي الأكثر تلاؤما مع البلاد". وقالت بن مريم إلى مراسل ميدل ايست أونلاين "انتهت الأسواق العجوز لتنتهي معها المفهوم التقليدي للشراكة، هناك تحولات وعلى تونس التفاعل معها بوعي" مشددة تقول "إن ما توفره الأسواق الصاعدة من مشاريع صغرى تحظى بفرص نجاح أكثر مما تحظى به المشاريع الكبرى التي تستوجب تمويلات ضخمة ومناخ استثمار". وينسجم تحليل بن مريم مع تجربة تونس المتواضعة بشأن المشاريع الصغرى حيث قادت تلك المشاريع التي انطلق انتهاجها قبل انتفاضة يناير إلى تحريك نسبي للتنمية. وتمول تلك المشاريع من قبل مؤسسات مصرفية معينة تمنح قروضا للشباب تتراوح قيمتها ما بين 10 و12 ألف دينار، (4 ـ 9 آلاف دولار) للمشروع الواحد. وفي ظل غياب البنية الأساسية والمناطق الصناعية خاصة بالجهات الداخلية تتوفر المشاريع الصغرى على فرص نجاح لا تتوفر عليها المشاريع الصغرى". وقالت الدوائر المقربة من الرئاسة إن "مراجعة مفهوم الدعم والشراكة بات أمرا متأكدا وأن المطروح اليوم عدم التعويل على المساعدات باتجاه المراهنة على مشاريع استثمارية كبرى في المنطق الصناعية بالمدن وصغرى في الجهات الداخلية". وأضافت تقول "انتهى القروض والمساعدات التي تذهب لتغطية النفقات العمومية وحان وقت الاستثمارات المنتجة للثروة وللتنمية التي توفرها الأسواق الصاعد". ويذهب الخبراء إلى حد القول بأن المفهوم التقليدي للشراكة الذي لا يعدو أن يكون مساعدات مالية كثيرا ما وقف وراء غياب ثقافة المبادر الاقتصادية من قبل الشباب. وهم يرون أن تحريك أداء الاقتصاد الذي لا تتجاوز نسبة نموه 2.1 بالمئة يستوجب أولا التعويل على قدرات التونسيين وثانيا على استقطاب مشاريع تتلاءم مع أوضاع البلاد. وقالت ريم بن مريم "إن تحريك الاقتصاد لن يتم من خلال ساسة الاقتراض والتداين ولا من خلال الصدقات وإنما يتم من خلال استثمار ما توفره الأسواق من استثماراتك". ويقول المسؤولون الحكوميون إن تونس شرعت في النفاذ إلى أسواق جديد ولكن بطريقة محتشمة من بينها السوق الروسية لجلب السياح والسوق الصينية لإطلاق مشاريع صغرى غير أنهم يقرون بأن الانفتاح على أسواق جديدة يواجه منافسة قوية. وتفاقم العجز التجاري خلال العام 2017 ليصل إلى نحو 80 بالمئة نتيجة انكماش الأسواق التقليدية ما أدى إلى عجز عائدات الصادرات على تغطية حجم الواردات. ويقول مراقبون إن برنامج الحكومة الذي يتصدر فيه توفر التنمية قائمة الأولويات يبقى رهن مدى تطوير مفهوم الشراكة والانفتاح على ما توفره الأسواق الصاعدة من فرص". وتوقعت الدائر المقربة من الرئاسة أن تقود تونس خلال الفترة المقبلة جهودا دبلوماسية اقتصادية باتجاه استقطاب أكثر ما يمكن من استثماراتك شركاء جدد في عدة مجالات".
مشاركة :