تحالف حركة التغيير والجماعة الإسلامية في كردستان مع التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة بزعامة برهم صالح نائب الأمين العام السابق للاتحاد الوطني الكردستاني أمرا جديدا بالنسبة للمعادلة السياسية في إقليم كردستان. فالأحزاب الثلاثة التي ستشارك في الانتخابات العراقية بقائمة واحدة، لديها النية نفسها في ما يتعلق بمشاركتها في انتخابات إقليم كردستان أيضا. ومع كون حركة التغيير والجماعة الإسلامية متفقتين في مواقفهما حول المسائل المختلفة منذ عام 2009، فان الغريب في الأمر هو إشراك تحالف برهم صالح معهما. برهم صالح الذي كان يشغل ثالث أعلى منصب في الاتحاد الوطني الكردستاني قبل رحيل جلال طالباني الأمين العام للحزب، كان يقود حتى قبل عام من الآن جناحا من المعارضين داخل الحزب والذي عرف لفترة بـ"مركز القرار". وتوحي الإشارات بان النائب الثاني السابق لطالباني سيصبح المنافس الرئيس داخل الاتحاد الوطني مثلما سلكت حركة التغيير الطريق نفسه عام 2009 والتي كان يتزعمها الراحل نوشيروان مصطفى النائب السابق للامين العام والمنسق العام للحركة آنذاك. لكن جماعة برهم صالح تربط تشكيل تحالف مع الطرفين الآخرين بـ"تغيير أسلوب الحكم الحالي" في الإقليم. ريبوار كريم المتحدث باسم التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة يقول إن تحالفهم مع الطرفين الآخرين هو فعل وليس رد فعل وان برهم صالح لم يعد على علاقة بالاتحاد الوطني. وقال كريم إن "أفضل موقع للقيام بتغيير في نظام الحكم هو تولي السلطة، إلا أننا لا نهدف من تحالفنا الجديد إلى طرد احد". اجتماع التيارات الثلاثة في تحالف واحد مثير للانتباه، باعتبار أن كل واحدة منها تعمل حسب اتجاه فكري وسياسي مختلف. وتعد حركة التغيير حزبا جماهيريا، أما تحالف برهم صالح فلا يزال يبدو عليه طابع جبهة معارضة داخل الاتحاد، فيما تعتبر الجماعة الإسلامية احد الأحزاب الإسلام السياسي. سليم كويي مسؤول العلاقات في الجماعة الإسلامية كشف أنهم لم يخوضوا بعد في تفاصيل توجهاتهم مع الطرفين الآخرين وقال: "الغريب هو أن نفترق وليس أن نكون مقربين، إننا نرحب بأي شخص يقوم بإصلاحات بمن فيهم العلمانيون". وقال كويي إن "الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي يديران نظام الحكم منذ (27) عاما فليجرب الناس السلطة عن طريقنا لأربعة أعوام، إننا نخطط للمشاركة في انتخابات إقليم كردستان بقائمة واحدة". وبالعودة تسعة أعوام إلى الوراء أي إلى عام 2009 فأن المعادلات بين الأطراف الثلاثة كانت مختلفة، فقد كان برهم صالح آنذاك رئيسا لحكومة إقليم كردستان، فيما كانت التغيير والجماعة الإسلامية تعارضان حكومته بشدة، ووصلت معارضة الحكومة التي تشكلت للمرة الأولى آنذاك إلى ذروتها. في عام 2011 نظمت تظاهرات السابع عشر من شباط (فبراير) والأيام اللاحقة بدعم من التغيير والجماعة الإسلامية حيث كانت تعادي حكومة برهم صالح وكان حل الحكومة من أبرز مطالبها، حتى انه تم استدعاء برهم صالح إلى البرلمان بناء على دعوة أطراف المعارضة وتم الاستفسار منه لمدة عشر ساعات. وقالت كويستان محمد عضو المجلس العام لحركة التغيير والنائب السابق في البرلمان حول ذلك "لم تكن لدينا مشكلة مع برهم صالح آنذاك، بل كانت مشكلتنا مع نظام الحكم كما كانت هناك أخطاء وتقصير من الحكومة". وترى أن "التحالف الذي تم تشكيله سيحدث تغييرا في خارطة التحالفات في إقليم كردستان". من جانب آخر فان هذه التغييرات المختلفة كليا ضمن التحالفات في إقليم كردستان تشير إلى أن الأوضاع في الإقليم وصلت إلى درجة أصبح فيها أعداء الأمس حلفاء اليوم. تبعات إجراء استفتاء الاستقلال والأزمة المالية وتردي علاقات إقليم كردستان مع الحكومة المركزية هي الفجوة التي يستمد منها منافسو الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي قوتهم لكسب أصوات الناخبين. يقول فريد اسسرد القيادي في الاتحاد الوطني إن "اجتماع الأطراف الثلاثة في تحالف واحد هو مصلحة وعمل مشترك في الوقت نفسه، وان هناك تغيير مستقبلي سيجري عليه باعتبار أن التحالف هو للمشاركة في انتخابات كردستان "وليس هناك في السياسة تحالف يدوم إلى الأبد". أما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على معظم مفاصل السلطة فلا ينظر إلى التحالف الجديد بأنه منافسا له على الرغم من أن معظم خطاباته الانتقادية موجهة إليه. وقال علي عوني العضو القيادي في الحزب الديمقراطي "لا نعتبرهم منافسين لنا ونأمل أن لا يعتبرونا أعداءً لهم، إذا حصلوا على الأصوات اللازمة فهنيئا لهم السلطة وإلا فان عليهم القبول بنتائج الانتخابات". واعتبر عوني التغيير والجماعة الإسلامية وتحالف برهم صالح "ثلاث خلطات" مختلفة بسبب اختلاف مكوناتها وأضاف "يقع جزء من تقصير الحكومة على عاتق برهم صالح نفسه". أول هجوم مضاد للأطراف الثلاثة هو تشكيل وفد مشترك لزيارة بغداد بداية شهر كانون الأول (يناير) إذ أجري سلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين العراقيين والأطراف السياسية دون استشارة حكومة الإقليم. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تقوم فيها أطراف خارج دائرة السلطة في الإقليم بزيارة كتلك والتي بحثت المشاكل بين بغداد وأربيل كما بينت الزيارة أن هذه الأطراف تريد إيصال توجه إلى المركز يختلف عن توجه الإقليم حول مشاكله مع بغداد. يقول عوني إن هناك نظريتين سياسيتين تعملان في الإقليم، الأولى ترى أن القضية الكردية هي في بغداد أما الثانية فهي ترى عكس ذلك، وأضاف "تدخل الأطراف الثلاثة ضمن إطار النظرية الأولى أما نحن ففي إطار الثانية". أكثر المنعزلين في تغيير التحالفات هو الاتحاد الإسلامي، فمع كون الحزب الإسلامي حليفا لحركة التغيير والجماعة الإسلامية في الماضي إلا انه الآن بصدد تشكيل تحالف جديد مع الحركة الإسلامية وإعداد قائمة لجبهة إسلامية لخوض الانتخابات. وقال بهزاد زيباري رئيس كتلة الاتحاد الإسلامي في برلمان كردستان إن "تحالفنا السابق مع التغيير والجماعة الإسلامية كان أقوى من التحالف الموجود الآن بين الأطراف الثلاثة، لنا نقاط مشتركة معهم ولكن ذلك لا يعني أن تكون لنا قائمة مشتركة معهم، وفي هذا الصدد يبقى باب التحالفات مفتوحا أمامنا". رهان الأطراف على التحالفات لن تظهر نتائجه حتى إجراء انتخابات كردستان التي لم يحدد موعدها بعد، إلا أن التغيير في شكل وهيكل التحالفات إشارة إلى احتدام المنافسة خلال الانتخابات. ومن الواضح في صورة الصراع السياسي في الإقليم حتى الآن، أن إقليم كردستان سينقسم إلى أكثر من ثلاث جبهات تكون الأطراف الثلاثة وكل من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بقوائم مستقلة وقائمة الإسلاميين لاعبوها الأساسيون. الدكتور كامران منتك أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين وصف أوضاع إقليم كردستان بـ"الفشل" ورأى أن التحالفات الجديدة لن تنجح باعتبارها ستولد من "رحم" الفشل نفسه. وقال منتك "حتى لو تغيرت التحالفات ولكن وجوه الشخصيات هي الوجوه المنبوذة نفسها، وفي حال انعدام وجود بديل جيد من قبل تلك التحالفات، فان المواطنين إما لن يشاركوا في الاقتراع أو سيصوتون من جديد للأطراف التي لها تجربة سابقة في الحكم". ومع كل هذه التوقعات فانه من الصعب أن تفوز التحالفات التي تشكلت في كردستان برهان السلطة في مقابل التحالف الرئيسي الذي يجمع الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني حيث يحتفظان بجميع مفاصل السلطة الرئيسية. (نقاش)
مشاركة :