إذا نظرنا إلى الجيل الجميل من الجدات والأمهات، وجدنا الطيب والسمع والطاعة لرجل الأمس الذي كافح وناضل في سبيل توفير لقمة العيش الكريمة لأسرته، وتكبد عناء السفر والترحال، وحياة الغوص على اللؤلؤ، وغاب في بحار التيه. كانت المرأة هي ربة البيت التي تحملت غربة زوجها، وسهرت مع عيالها تمنيهم عودة الأب الحميدة، وتحكي لهم حكايات تشعرهم وتربطهم بالأب الغائب، وتمنيهم بتحسن الحال حين عودته رابحاً طيب النفس. إن جمال المرأة – آنذاك – في حرصها الشديد على القيام بتبعات الحياة الزوجية، وتربية الأبناء، ومقاسمة الزوج المسؤولية طواعية ومن دون مناكفة. كانت المرأة – آنذاك – بحاجة ماسة إلى زوجها ومعيلها، تشعره بالود والاحترام وطيب المعشر. اليوم تغيرت الأمور، ففي الغالب المرأة تعمل، والرجل يعمل، وتربية الأبناء في الصغر بعيدة عن الوالدين، فحياة الصغير قبل المدرسة مناصفة بين الأم والخادمة، وبعد دخوله المدرسة أضحت التربية مقسمة بين الأم والمدرسة والخادمة، والأب في كل الأحوال مؤازر، على اعتبار أن الأم ترجع من عملها مرهقة بحاجة إلى عناية هي الأخرى. وأضحت العلاقة بين الأزواج تبدأ بعد رجوعهم إلى المنزل، الكل مرهقون وبحاجة إلى رعاية وعناية. والمكث الحقيقي للزوجة – وهي بكامل جاهزيتها وزينتها وراحتها – أضحى في العمل، وكذا الحال بالنسبة إلى الزوج الذي عليه أيضاً القيام بتبعات الحياة المعيشية وتوفير العيش الكريم، هذا وفق ما ينص عليه الشرع الحنيف. أما الزوجات اللائي يعملن، فينقسمن إلى قسمين: زوجات يساهمن في الأعباء المالية والحياتية ويناصفن الرجل في ذلك حباً وكرامة، والأخريات لا يسهمن إلا بدور ثانوي على اعتبار أن المال الذي اكتسبنه مالهن، وليس للزوح الحق فيه. وتبدأ الخلافات الزوجية أكثر من هذه الناحية، فالزوج يُصر أن خروج زوجته للعمل في الأصل كان بموافقة منه وبرغبة ملحة منها، وأن الأمر الطبيعي هو بقاؤها في البيت أمّاً للجميع، وراعية لشؤون الأسرة والسهر على راحة الأبناء والزوج الغائب في العمل، لذا عليها المساهمة المالية الفاعلة، والزوجة تُصر أن حقها في عملها ومالها الذي جمعته بعرقها وكدها. الزوجة العاملة في العصر الحديث ليست بحاجة إلى مال زوجها – على الأغلب – لأنها تتقاضى راتباً قد يفوق في بعض الأحيان راتب زوجها. لذا تُصر على السفر وتصرف على نفسها، خصوصا أنها تخالط زميلاتها في العمل فيتنافسن في ذلك، والزوج لا بد أن يجاريها في ذلك، وقد يتحمل ديوناً لا طاقة له بها، الأمر الذي يزيد من تعقيد الحياة الزوجية، ويؤدي في نهاية الأمر إلى عجز الزوج عن القيام بتبعات الأسرة وظهور بوادر الفراق بين الزوجين. نقول: رحمة بالحياة الزوجية، الأمر أوسع من ذلك كله، فالحياة السعيدة إنما تتم بالتوافق والتناصح والحب والخوف على كيان الأسرة، والتضحية الحقة من الزوجين معاً. وليس من شك أن بقاء الزوجة في المنزل إن كان في أول الزواج، أو بعده بفترة مناسبة، بجعل الحياة الزوجية أكثر أمناً وراحة، وأن الزوج حينها يشعر أكثر بمسؤوليته التامة عن الرعاية دون تقتير ولا تبذير، والكرم إنما يكون عند المقتدر، لا عند المعسر. وحتى في حال يُسْر الزوج، فإن الرجل دائماً يشعر أنه سلطان بيته، ليس من باب التسلط، بل من باب الشعور أنه القيم على الأسرة وأنه أرحم وأرأف بها في ظل زوجة محبة مطواعة لها كل التقدير والاحترام. ذلك بعض ما يمكن كتابته عن حال المرأة الكويتية قديماً، وما طرأ عليها من تغيرات اجتماعية حديثة ومعاصرة، ولعل الأمر أوسع من أن يحاط بمقال. د. سعود محمد العصفور
مشاركة :