قبل خمسين عاماً، أخذ رئيس الشرطة الوطنية في جنوب #فيتنام ببرودة، سجيناً إلى وسط شارع مدينة سايغون عاصمة الجنوب آنذاك والتي تعرف حالياً باسم هو تشي منه، حيث أطلق عليه رصاصة في رأسه ليرديه قتيلاً بلا مبالاة. على بعد بضعة أمتار، كان يقف مصور الأسوشييتد برس "إدي آدامز"، حيث اقتنص هذه اللحظة التاريخية القاسية، في صورة خالدة، صنعت الكثير وغيّرت وجهة الرأي العام باتجاه #الحرب_في_فيتنام. ويظهر في الصورة رئيس الشرطة، الجنرال الجنوبي نغوين نغوك واقفاً يدير ظهره للكاميرا، ذراعه اليمني ممتدة تماما، فيما اليسرى ملتصقة بجنبه، أما السجين "نجوين فان ليم" فقد كان مقاتلاً في الـ "فيت كونغ" لكنه لا يرتدي الزي الرسمي، حيث يبدو بالقميص المنفوش وسروالاً أسود بيدين مكبلتين خلف الظهر. وبرغم أنه في الثلاثينيات من العمر إلا أنه يظهر أصغر سناً من صبي، بوجه يبدو مرعوباً من الرصاصة المقبلة. والـ "فيت كونغ" هي الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، وهي حركة مقاومة مسلحة فيتنامية نشطت بين 1954 إلى 1976 ضد الحكومة والتدخل الأميركي في البلاد.صدى الصورة بحلول الصباح، كانت هذه الصورة على الصفحات الأولى من الصحف على الصعيد الأميركي، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز، جنباً إلى جنب مع لقطات فيلم لـ "ان بي سي"، وحيث أعطت هذه الصورة الأميركيين لمحة صارخة عن وحشية حرب فيتنام، وساعدت على إحداث تحول حاسم في الرأي العام. يقول ميشيل نيكرسون، الأستاذ المساعد للتاريخ في جامعة لويولا في شيكاغو، الذي درس حركة مكافحة الحرب خلال حقبة فيتنام: "لقد أصابت هذه الصورة الناس بالمغص الشديد، بطريقة لا يمكن للنص المكتوب أن يفعلها". وأضاف: "لقد ترجمت الصورة الواقع، بطريقة لا يمكن قياسها، من حيث عدد الأشخاص الذين تحولوا في هذه اللحظة إلى موقف مضاد للحرب". وقد التقطت الصورة في الأول من فبراير 1968 بعد يومين من قيام قوات الـ "فيت كونغ" والقوات الفيتنامية الشمالية بتنفيذ الهجمات المنسقة للحرب الفيتنامية الثانية المعروفة باسم هجوم "تيت"، وهي مأخوذة من الفيتامنية اختصارا لـ "صباح اليوم الأول"، وتزامنت مع السنة القمرية التي يحتفل مع حلول فبراير من كل سنة. في ذلك الصباح كان المتمردون في عشرات المدن، وفي كل مقاطعة تقريبا من جنوب فيتنام، قد اقتحموا شوارع العاصمة بل إنهم كانوا قد احتلوا مجمع الحراسة المشددة لسفارة الولايات المتحدة، وكان هذا المشهد صادماً للأميركيين الذين أكد لهم الرئيس "ليندون ب. جونسون" وأحد كبار العسكريين في فيتنام "ويليام سي وستموريلاند"، أن العدو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يعني الثوار الجنوبيين وداعميهم الشماليين.مآلات الحرب يقول ميريديث هـ. لير، وهو خبير في شؤون حرب فيتنام بجامعة جورج ماسون، إن الهجوم المباغت "أدى إلى تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة الأميركية قد تغذت بالأكاذيب، كذلك تساؤلات عن اتجاه مسار الحرب، وما إذا كان ممكناً كسبها وفق ما كان يعتقد الأميركيون أنهم باتجاه عدو خائر العزيمة، في حين تبدو الأمور الآن مختلفة لعدو قوي ونشط". لقد كشف هجوم تيت الأوسع عن الفوضى العارمة، وحيث كانت الحكومة الجنوبية تحاول السيطرة على الأوضاع، وجاءت الصورة القاتلة لتفتح السؤال أمام الرأي العام الأميركي هل إن بلادنا تقاتل لقضية عادلة؛ وقد قوّض ذلك حجة أن الحرب على جبتهين ممكنة في الشمال والجنوب معاً، ما دفع الكثير من الأميركيين إلى القناعة بأنه لا يمكن كسب الحرب، بل إن ذلك ما ينبغي أن يكون فعلياً بالمنطق والواقع. ويرى روبرت جيه مكماهون، المؤرخ في جامعة ولاية أوهايو، أن الصورة "تطورت إلى سرد نامي في أعقاب هجوم تيت بأن حرب فيتنام كانت تبدو أكثر فأكثر وكأنها حرب لا يمكن تحقيق النصر فيها"، مضيفاً: "أعتقد أن المزيد من الناس بدأوا في التساؤل عما إذا كنا، في الواقع مضطرين لهذه الحرب أم لا". وقد جاء إطلاق قائد الشرطة الجنوبي، الرصاصة في رأس رجل مقيد اليدين، في انتهاك محتمل لاتفاقيات جنيف. ولم يكن المسؤول شيوعياً، ولكنه عضو في حكومة جنوب فيتنام، حليفة الولايات المتحدة.الأسئلة الأخلاقية وقال كريستيان ج. آبي، أستاذ التاريخ في جامعة ماساتشوستس في أميرست: "أثار الأمر سؤالاً مختلفاً للأميركيين عمّا إذا كانت الحرب قابلة للانتصار أم لا.. كما طرحت حقاً مجموعة من الأسئلة الأخلاقية، التي من شأنها أن تدفع بشكل متزايد نقاشاً حول حرب فيتنام: هل وجودنا في فيتنام مشروع أو عادل، وهل نحن نجري الحرب بطريقة أخلاقية؟". وقال الدكتور مكماهون: "إنه في الأشهر التي تلت هجوم تيت، تحول الرأي العام بسرعة أكبر من أي وقت سابق في الحرب". وقد فازت صورة آدامز بجائزة بوليتزر، وسمتها مجلة تايم واحدة من الصور الـ 100 الأكثر تأثيراً في التاريخ. وقالت سوزان د. مويلر، مؤلفة كتاب "حرب الرماية: التصوير الفوتوغرافي والتجربة الأميركية في القتال" وأستاذة الإعلام والشؤون الدولية في جامعة ميريلاند: "يمكنك الحديث عن صورة الإعدام من حرب فيتنام، ليس فقط بالنسبة للجيل الذي عاش من خلالها، ولكن يمكن للأجيال المتعددة استدعاء تلك الصورة إلى الذهن". مضيفة: "كان من المفهوم على الفور أنها تحولت إلى أيقونة أو رمز".قرار النشر ومع ذلك، كانت القرارات المتعلقة بعرض هذه الصورة وغيرها من صور الحرب الفيتنامية، محل نقاش في غرفة الأخبار بصحيفة نيويورك تايمز. وقال جون جريس موريس، محرر الصور المؤثر؛ الذي توفي في العام الماضي عن مئة سنة: "أتذكر بعضاً من هذه الصور التي كنت أحرص على أن تكون في الصفحة الأولى". ويقول: "كانت هذه الصورة واحدة منها، كما كانت الصورة الأشهر في عام 1972 للطفلة فان ثي كيم فوك (9 سنوات) وهي تهرب عارية من هجوم النابالم في الحرب الفيتنامية". بالنسبة لصورة الإعدام الشهيرة في جنوب فيتنام، فقد جاء صداها بطرق مختلفة، وبالنسبة إلى الأميركيين في عام 1968، فقد نقلت الصورة أن فيتنام الشمالية والـ "فيت كونغ" أقوى بكثير مما كان يسود في الاعتقاد. أما بالنسبة لجنوب فيتنام نفسها فربما كانت ردة الفعل معاكسة، حيث يرى مارك فيليب برادلي، وهو مؤرخ في جامعة شيكاغو: "بالنسبة إلى الفيتناميين الجنوبيين، فقد نقلتهم الصورة إلى العكس، إن هذه القوات المقاومة لم يعد لها القوة المزعومة، ولم تعد تحتفظ بالهالة التي كانت عليها من قبل". ومن ثم كان القليل من التعاطف مع القائد العسكري الذي نفذ العملية والذي نقل في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة، وفي عام 1978، حاولت الحكومة دون جدوى إلغاء بطاقته الخضراء، قبل أن يتوفى بعد 20 عاماً في ولاية فرجينيا، حيث كان يدير مطعماً.ذكرى المصوّر آدامز نفسه أعرب قبل وفاته في عام 2004 عن راحته للنتائج المترتبة عن صورته، وأشار إلى "أن الصور الفوتوغرافية، بطبيعتها، تستبعد السياق: ففي هذه الحالة، كان السجين قد قتل أسرة أحد نواب القرض العام". وقال: "قد مات شخصان في الصورة من تلقي الرصاصة، ومن ألقى بها في رأس الرجل.. فلقد قتلت الجنرال بعدستي"، وفق ما كتب في مجلة التايم. يؤكد آدامز: "تبقى الصورة الثابتة أقوى سلاح في العالم".
مشاركة :