كما توقّعنا، تساءل كثيرون عن تصويت النواب المحسوبين على الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) على طرح الثقة بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند الصبيح، حيث صوّت النائب محمد الدلال ضد طرح الثقة، في حين صوّت النائب أسامة الشاهين مع طرح الثقة، في وقت كان النائب عبدالله فهاد العنزي من بين مقدمي الاقتراح بطرح الثقة بالوزيرة! وحيث إن الحركة تعتبر حزباً سياسياً متميزاً بالانضباطية، لذلك لم يتردد خصومها وغيرهم في تفسير هذا التباين في التصويت بأنه نوع من الانتهازية والركض خلف المصلحة بعيداً عن المبدأ! أمّا خصوم الحركة فشيء طبيعي أن يستغلوا هذا الحدث ليمارسوا هواية الطعن والتشكيك في مبادئ الحركة، وهؤلاء لا نحرص على إقناعهم؛ لأن ذلك ضرب من الخيال وإضاعة للوقت، وأمّا الآخرون فلا نلومهم على هذا الفهم؛ لضبابية الموقف، ولذلك جاء هذا المقال لتوضيح منطلقات ما حدث وتفسيرها، مع أن النواب أنفسهم حرصوا على تبرير مواقفهم في حينه، كل من زاويته. لم يكن هذا الاستجواب استجواب «حدس»، ولم تكن القضايا المطروحة فيه ضمن برامج مرشحي الحركة في حملتهم الانتخابية، وإن كانت بعض المحاور وردت في برنامج الحركة على العموم، ولم تكن المخالفات الواردة فيه، بعد توضيح الوزيرة لها، من القضايا الشرعية القطعية الدلالة التي لا تحتمل تفسيراً أو تأويلاً، كما أن الوزيرة لم تكن تمثل رمزية معينة في الحكومة كي نعتبر الموقف منها موقفاً من الحكومة برمتها، لم يكن أي من هذه الأسباب وارداً في الذهن عند مناقشة الحركة لموضوع طرح الثقة، لذلك لم يكن من المفاجئ لنا تباين الآراء داخل الحركة حول هذا الاستجواب! بل إن المراقب العام ربما يرى انقساماً واضحاً داخل المجتمع الكويتي بين مؤيد للوزيرة ومعارض، مع إجماع بين كل أعضاء الحركة على أن الاستجواب كان مستحقّاً عند تقديمه. كان بإمكاننا أن نصوّت برأي واحد، «مع» أو «ضد»، إلا أن المؤيد لطرح الثقة كان يرى أن الوزيرة ينبغي ألا تبقى في منصبها بعد الاستجواب، وكان يرى ضرورة طرح الثقة بها، ومن بين هذا الفريق كان النائب أسامة الشاهين. في المقابل، كان البعض يرون أن ردود الوزيرة كانت كافية لتفنيد محاور الاستجواب، وأنها تمكنت من إثبات بطلان اتهامات المستجوبين، لذلك لا بد من رفض طرح الثقة واستمرار الوزيرة في عملها، ومن بين هذا الفريق كان النائب محمد الدلال. أثبت التصويت خطأ من ظن أن الاستجواب عنصري، وأن تصويت نواب الحركة على طرح الثقة تأثر بالمناطقية، فهذا النائب الشاهين من الدائرة الأولى، ومعظم نواب منطقته صوّتوا مع الوزيرة، ومع هذا صوّت هو ضدها وفقاً لقناعاته، كما يخطئ من يظن أن المعارضة صوتت مع طرح الثقة، في حين لم يصوّت ضدها إلا «حدس» والمحسوبون على الحكومة، فها هم نواب محسوبون على المعارضة صوّتوا ضد طرح الثقة، مثل الفضالة والنصف والبابطين والطبطبائي والرومي والعدساني، وحمدان.. وغيرهم. الحركة الدستورية تيار مبادئ لا تيار مصالح، ولو كانت كذلك لاستغلت الاستجوابات السابقة التي كان الوزراء المستجوبون فيها من الأسرة الحاكمة، ولكنها فضلت ما كانت تراه موقفاً مبدئياً فساهمت في إقالتهم من مناصبهم. لم يكن أمامنا في الحركة الدستورية الإسلامية في هذا الاستجواب إلا أن نفوّض النواب في اتخاذ الموقف الذي يتوافق مع قناعاتهم وضمائرهم، خصوصاً أن الأمر يسعه الخلاف، كما بيّنا في مقدمة هذا المقال. مبارك فهد الدويله
مشاركة :