الشارقة: عثمان حسن تشكل الإمارات منصة فنية دولية من خلال استضافتها للوحات وأعمال فنانين عالميين، وكذلك من خلال استضافتها لناقدين وقيمين فنيين، اكتسبوا سمعة وشهرة على مستوى العالم.وينظر كثير من النقاد إلى الإمارات بوصفها المنطقة الأكثر تأهيلاً على مستوى الوطن العربي، لاستضافة فنون العالم، بما تملكه من بنية تحتية وتجهيزات في صالاتها الفنية سواء في العاصمة أبوظبي أو دبي أو الشارقة، وتمنح هؤلاء الفنانين بما في ذلك محبي الفنون فرصة للتبادل الثقافي والفني، والاطلاع على مختلف الأساليب والمدارس والتوجهات الفنية. فعلى سبيل المثال، تستضيف دبي في قاعة المعارض بمركز دبي المالي العالمي الفترة ما بين 11 فبراير/ شباط و 22 إبريل/ آذار معرضاً للفنان الإسباني العالمي سلفادور دالي، هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط.يضم المعرض أعمالاً أصلية لدالي، وهو بكل تأكيد سيمثل فرصة ثمينة لجمهور الإمارات للاطلاع على لوحات مطبوعة بالصفائح المعدنية، وصور فوتوغرافية تميز أسلوبه، حيث تم جلب اللوحات من مناطق متفرقة في العالم، ومن بين اللوحات واحدة بعنوان «انهمار الياسمين».معروف بأن دالي، هو الفنان الأكثر غموضاً في العالم، كما أن لوحاته على غرابتها، وبما تحمله من صدمة فنية عند المشاهد، وبما تنطوي عليه من دهشة، تفتح ذائقة الفن على مصراعيها، لجهة التجول في مخيلة استثنائية وصفت بأنها تقع في منطقة وسطة بين الجنون والعبقرية، هذه الشخصية الفنية الفذة، ميزت دالي بوصفه واحداً من أكثر الفنانين غموضاً في القرن العشرين، وهو صاحب اللوحات الشهيرة مثل: «إصرار الذاكرة» التي وصفها النقاد بالتحفة السريالية، والتي نجد فيها أربع ساعات ظاهرة بوضوح وفي الخلفية صحراء خالية، والأكثر غرابة يكمن في شكل الساعات، فهي غير مسطحة كما هو متوقع، بل مثنية وفي حالة مائعة تبدو وكأنها في مرحلة الذوبان. اللوحة، كما غيرها من أعمال دالي تحاكي مفهوم الحلم عنده، وهو الفهم الذي شكل محطة أساسية في أعماله، في ضوء خيال فانتازي، طبع المدرسة السريالية في القرن العشرين.أما لوحة «انهمار الياسمين» فقد كشف عنها لأول مرة عام 1954 صالة كارستيز في نيويورك، وعرضت مرة أخرى في مدينة ريو في البرازيل، وهذه هي المرة الثالثة التي تفتح دبي المجال أمام المتفرجين لمشاهدتها، مع مجموعة دالي بعنوان «50 سنة بعد السريالية»، فضلاً عن لوحة «مذكرات السريالية» التي تمنح الجمهور فرصة معرفة كيف كان ينظر دالي لأعمال الإسباني فرانشيسكو غويا.في ذات الإطار يمكن الحديث عن رحلة من الشغف الفني -إن جاز التعبير- في معرض يتجول بأعمال الفنان الهولندي فان جوخ «1853 - 1890» أبرز فناني الانطباعية، وهو الذي يتيح للجمهور فرصة كبيرة لمتابعة هذا الفنان الملهم وصاحب اللوحات الأكثر شهرة في العالم كله، وهو بعنوان «فان جوخ: اللوحات الحية».وفان جوخ، هو صاحب المقولة الشهيرة «لا أشعر أني حي إلا عندما أرسم»، وهو من أهم الرسامين في القرن التاسع عشر، فقد تميزت ريشته بالإبداع والواقعية، واستطاع خلال عشر سنوات من مسيرته الفنية، إنتاج عدد من اللوحات التي لا تزال محل دراسة من طلبة الفنون الجميلة، ومحل إعجاب من محبي الفنون بشكل عام. مثلت مرحلة المناظر الطبيعية في تجربة فان جوخ مرحلة مهمة في حياته الفنية، حيث أبدع لوحاته الشهيرة «الحياك» و«الغزالون» و«نجمة» و«غرفة نوم في إيرل» و«ليلة النجوم» وغيرها، من اللوحات التي بلغت نحو 2100 منها 860 لوحة زيتية، و1300 لوحة مائية.وسوف تتيح هذه الفرصة لمشاهدي أعمال فان جوخ معاينة أعماله عن كثب، بعيداً عن احتكار المتاحف العالمية، وفرصة للتفاعل مع مشهدية أسرة من الألوان والتفاصيل.إصرار الإمارات عبر برامجها الفنية التي تجوب العالم، على تقديم ما هو مبهر في ساحة الفنون، لا يقتصر على تجربة فنية بعينها، فقد سبق لها في العام 2015 أن احتضنت معرضاً يسلط الضوء على أفضل الأعمال المنجزة في تاريخ المدرسة التشكيلية الواقعية الروسية لتعريف الجمهور بإبداعات فناني الاتحاد السوفياتي السابق، في ضوء انفتاحها على فنون العالم.والواقعية الفنية بدأت من روسيا، وجالت في فرنسا، وتميزت برؤى جمالية استلهمت البيئة الريفية بألوانها وتشكيلاتها المعبرة التي تعكس أطيافاً من البهجة والفرح والمشاعر القوية في جميع أرجاء اللوحة، وهي بشهادة الكثير من النقاد ذات سحر خاص وتأثير عال في المتلقي.وبعد فإن الساحة الفنية في الإمارات تشكل رديفاً لازدهار الفنون العالمية، عبر ما تبتكره من مناخات للجديد والمختلف في المعارض الدولية، وبما توفره من منصات لعرض أعمال معاصرة، لتشكل مع معارض ومتاحف العالم، واحدة من الركائز الباذخة في نشر الثقافة الفنية والوعي بما تحمله هذه التجربة من أثر في جيل واسع من متذوقي الفنون في الإمارات وفي العالم على حد سواء.
مشاركة :