في 27 ديسمبر/كانون الأول 2017، وقفت الشابة فيدا موفاهد عارية الرأس فوق صندوق للكابلات الكهربائية، في واحدٍ من أكثر الشوارع ازدحاماً في العاصمة الإيرانية طهران، وهي تلوِّح بغطاء رأسها الأبيض المُعلَّق على عصا. وفي غضون أيام، أصبحت صور المرأة، التي تبلغ من العمر 31 عاماً، والتي احتُجِزت ثُمَّ أُطلِق سراحها بعد بضعة أسابيع، رمزاً أيقونياً، حسب تقرير صحيفة . وفي الأسابيع التي تلت احتجاج موفاهد السلمي على الحجاب الإجباري، الذي يُعد واحداً من أوضح رموز الجمهورية الإسلامية، حذت عشرات النساء، وحتى بعض الرجال، في مختلف أنحاء إيران حذو موفاهد. وحتى الآن، أُلقي القبض على 29 امرأة على الأقل في المدن في مختلف أنحاء البلاد. تُعد هذه التحركات الجريئة وفق The New York Times تحدياً لفرض الحجاب، غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد لقرابة 40 عاماً، إلا أنَّ الحركة التي ربما أسهمت في إلهام تلك التحركات ظلَّت مُستمرة منذ سنوات. بدأ هذا الأمر في حسابٍ على الشبكات الاجتماعية لصحفية إيرانية مُقيمة في حي بروكلين الأميركي، تُدعى مسيح علي نجاد. عام 2014، أنشأت مسيح صفحةً على موقع فيسبوك باسم "My Stealthy Freedom - حريتي المسروقة"، تحث فيها النساءَ على نشر صور لأنفسهن في الأماكن العامة دون حجاب. والعام الماضي، أطلقت حملة "الأربعاء الأبيض"، دعت فيها النساء إلى ارتداء أغطية رأسٍ بيضاء أيام الأربعاء، احتجاجاً على قانون الحجاب الإجباري. (قامت موفاهد بوقفتها الاحتجاجية يوم الأربعاء، وكانت تحمل غطاء رأس أبيض اللون، إلا أنَّ إيمانها الحقيقي لحملة مسيح غير معروف).خلعت الحجاب أثناء قيادة السيارة وتقول مسيح، التي عملت كصحفية في إيران، قبل أن تُهاجر إلى إنكلترا عام 2009، إنَّ فكرة حملتها جاءت عن طريق الصدفة. إذ نشرت صورة لنفسها وهي تقود سيارتها في إيران دون حجاب، ودعت الآخرين لنشر "صور خفية" لأنفسهم على صفحتها على فيسبوك. ودفعتها الاستجابة الكبيرة -إذ تمتلك الصفحة الآن أكثر من مليون متابع- إلى التركيز أكثر على هذه القضية. وقالت: "كنتُ صحفية سياسية، لكن النساء في إيران أجبرنني على الاهتمام بقضية تتعلَّق بالحريات الشخصية". بالنسبة لمسيح والمحتجين، فإنَّ الكفاح ضد الحجاب الإجباري يتعلَّق باستعادة سيطرة المرأة على جسدها، وليس مسألة تشكيك في شرعية الحجاب نفسه. والآن، بعد انضمام نساء يرتدين الشادور الذي يُغطي الجسد بالكامل بفخرٍ إلى النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب في هذه التحركات، أصبح من الواضح أنَّ هذه الحركة على الأرض تتعلَّق أيضاً بحق المرأة في اختيار ما ترتديه، وهو شيءٌ حاول الكثير من القادة الإيرانيين حرمانهن منه على مدار القرن الماضي، وفق The New York Times. إذ منع مُؤسس الأسرة البهلوية، رضا شاه، الحجاب في بادرة تحديثٍ عام 1936، وهو الأمر الذي وضع عملياً بعض النساء تحت الإقامة الجبرية لسنواتٍ لأنَّهن لم يتحملن الخروج وهن مكشوفات في الأماكن العامة. وجعل زعيم الجمهورية الإسلامية آية الله، روح الله الخميني، الحجاب إلزامياً عام 1979.إما غطاءٌ على الرأس وإما الضرب لم تنجح الاحتجاجات الجماهيرية التي قامت بها النساء في إلغاء القرار. وابتكر ناشطون مؤيدون للحجاب شعار "Ya rusari ya tusari"، الذي يعني "إما غطاءٌ على الرأس وإما الضرب"، وراحت "لجانٌ" إشرافية -التي غالباً ما كانت تتألف من نساء يرتدين الشادور الكامل- تجوب الشوارع، وتعاقب النساء اللواتي اعتبرهن غير مُغطَّياتٍ بشكلٍ كافٍ. أولئك الذين عارضوا الإجراء الصارم أطلقوا على النساء اللواتي ينفذنه اسم "فاطي كوماندو" أو "فدائيو فاطمة"، وهو مصطلح مُهين يجمع بين الإسلام -مُتمثلاً في لقب "فاطي" نسبةً إلى فاطمة، ابنة النبي محمد- والتنظيمات المدنية الهادفة لتنفيذ القانون. وفي حين أنَّ المُتطلبات ظلَّت ثابتة بحزم، ظلَّت النساء الإيرانيات لسنوات تُحرِّك حدود الحجاب المقبول. فأصبحت المعاطف أقصر وأضيق وبعض أغطية الرأس أصبحت صغيرة بحجم منديل بندانا. إلا أنَّ هذا لم يمر دون ملاحظة أو عقاب، إذ تشيع وتتعدد الاعتقالات المُتعلقة بالحجاب. ففي 2014، أعلنت الشرطة الإيرانية أنَّ "الحجاب السيئ" أدَّى إلى 3.6 مليون حالة تدخُّل من الشرطة. لكن لسنواتٍ عديدة، اعتبرت العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة الحجاب مسألةً ثانوية بالنسبة لأمور أخرى، مثل الحقوق السياسية أو المساواة بين الجنسين. ففي 2006، بالكاد أتت حملة المليون توقيع لإلغاء القوانين التمييزية، وهي واحدة من أكثر الجهود المُركَّزة التي قامت بها النساء الإيرانيات للحصول على حقوق أكبر للمرأة، على ذكر الحجاب. كما أنَّ النساء الإيرانيات كُنَّ عازماتٍ بصورةٍ مُبالِغة على النأي بأنفسهن عن الهاجس الغربي المتعلِّق بالحجاب، لدرجة أنَّهن ربما قلَّلن حتى من أهمية هذه المسألة. ولعبت النساء الغربيات اللواتي زرن إيران وارتدين الحجاب طوعاً دوراً في جعل الأمر عادياً أيضاً.مُكافحة السياسات التمييزية لم تُسفر عن أي تغييرٍ حقيقي يضيف تقرير The New York Times أنَّ مُكافحة السياسات التمييزية لم تُسفر عن أي تغييرٍ حقيقي، كما أثبتت حملة المليون توقيع التي سُحقت. والآن تعيد مسيح والجيل الأصغر من النساء الإيرانيات التركيزَ على الرمز الأكثر وضوحاً للتمييز، الذي، كما يقولون، يُعد الأكثر أهمية كذلك. وقالت مسيح: "إنَّنا لا نخوض معركةً ضد قطعة من القماش. إنَّنا نُحارب من أجل كرامتنا. إذا لم تتمكَّني من اختيار ما تضعينه على رأسك، فإنَّهم لن يسمحوا لكِ أن تكوني مسؤولة عما في رأسك أيضاً". وفي المقابل، يجادل المسؤولون في الجمهورية الإسلامية بأنَّ الحجاب يمنح المرأة كرامة. وقد ردَّت الحكومة رداً مُختلطاً على الاحتجاجات. ففي اليوم الذي صعدت فيه فيدا موفاهد على صندوق الكهرباء للاحتجاج على الحجاب، أعلن قائد شرطة طهران أنَّه من الآن فصاعداً لن تُحتجَز النساء بسبب الحجاب السيئ، لكن سيتم "تعليمهن". وفي أوائل يناير/كانون الثاني، ورداً على أسابيع الاضطرابات الأخيرة التي عمَّت البلاد، وصل الأمر بالرئيس حسن روحاني إلى حدِّ القول: "لا يمكن للمرء أن يفرض أسلوب الحياة الخاص به على الأجيال المُقبلة". والأسبوع الماضي، وصف المدعي العام الإيراني، الذي وُجِه بموجةٍ متزايدة من العصيان المدني، ما تقوم به النساء من أفعال بـ"الطفولية"، وقالت شرطة طهران إنَّ اللاتي قُبِض عليهن "انخدعن بحملة رفض الحجاب". لكن يبدو أنَّ هؤلاء الشابات مُستمرات رغم كل شيء. فجيلهن يتمتع بقوةٍ نابعة من نظامٍ إعلامي جديد، لا يسهم في توحيد المحتجين فحسب، بل ويساعد أيضاً على نشر صور قوية للتحدي. وتعتقد مسيح أنَّ الحركة، إلى حدٍّ ما، قد نجحت بالفعل. وقالت: "تُظهِر النساء الآن أنَّهن لم يعدن خائفات. كنا نخشى الحكومة، والآن الحكومة هي التي تخشى النساء".
مشاركة :