في الوقت الذي لحن فيه بليغ حمدي أغنية (زي العسل) للشحرورة صباح، وغنتها مرارا في عروضها، لم تكن هذه الأغنية تستطيع مزاحمة المعلقات الطويلة لنجوم جيلها، لكن هذه الكلمات التي طوعها السلم الموسيقي للترنيم والهدوء حينا، والإيقاع العالي والمرتفع أحيانا، وأضافت عليها طبيعة صباح العفوية والمرحة أجواء السرور والابتسامة، رغم ما تشكوه بعض جمل الأغنية من بعد الحبيب ومحاولات المجتمع إثناء العاشقة عن اختيارها الوحيد، تبقى فريدة في المضمار.عندما بدأت البرامج الإعلامية قبل انتشار البث الفضائي بحلقات لتشجيع الأجيال الصاعدة على الغناء والأخذ بيد المواهب، بدأ برنامج (أربعاء بيروت) ـ الشهير لمن يذكر تلك الأيام ـ باستقبال أعداد من أصحاب الأصوات الجميلة والذين أصبحوا اليوم من أشهر المطربين، وكانت أغنية الصبوحة هذه (زي العسل) من أكثر الأدوات تجربة لدى الكثيرين منهم.جاء برنامج (استديو الفن) ليكمل مسيرة استخدام هذه الأغنية التي تجمع بين الجانب الطربي والغنائي الراقص، ولم تستطع أية فنانة - بالذات - أن تخطو خطوة في مجال الشهرة دون أن تغني (زي العسل) أو بعض مقاطعها.والرائع في السيرة الذاتية لهذه الأغنية أنها استطاعت أن تجد لنفسها مكانا في برامج الغناء العربي الحاضر، فلم يخل منها برنامج (سوبر ستار) ولا (نجوم الفن) ولا (ستار أكاديمي) ولا تخلى عنها (ذا فويس) ولا (عرب آيدول)، فالدندنة بأغنية مثل (زي العسل) تختبر كثيرا من صبر المغني على تنقلات موسيقاها السريعة والبطيئة في ذات الوقت، وتختبر كذلك انطباعات الوجه والابتسامة والتشخيص عند معاني الكلمات البسيطة في تكوينها والعميقة في معانيها، لمن هدفه أن يطرب السميعة.ورغم أن صباح غنتها بكل احتراف لأنها أغنيتها، إلا أن أغلب الفنانات اللاتي خضن غمار التجربة في سمفونية الغناء المصري (زي العسل) كن على قدر المسؤولية في الأداء والتجسيد لواقع الاعتبارات العاطفية الموجودة في مقاطع الأغنية المحببة لي شخصيا.فكلماتها تقسم من خلال ترنيمها بأن كل مغريات العشق والهوى لا يمكن أن تثني المحبة عن حبها لحبيبها الذي تعتبره قمرا وترى في عيونه نجوما.فلا الحرير الذي فرشت به الأرض لها، ولا مشاغلة الكثير لها من أجلها (وعشانها) ولا الإتيان بالقمر العالي والنجوم لتضيء لها طريقها يعني لها شيئا في مقابل حبيبها الغالي، الذي تعشقه في القرب والبعد دون انتظار للمقابل أو المكافأة منه، فهي تعتبر ما تقاسيه من بعد وهجر وغياب (زي العسل)، وكما يقال: ضرب الحبيب (زي أكل الزبيب).الأغنية تتذكر أيام زمان وحبها لحبيبها وأحلامهما التي عاشاها سويا في عش مليء بكل ما هو جميل وسعيد. والدنيا كلها وما تحمله لقلوب من الناس من أمنيات لا تساوي تلك الأماني التي تذوب في قلب الحبيبة محافظة عليها في جو يشبه الخلية، ليحق لها أن تعبر عنه بأن هواه على قلبها الصغير (زي العسل). يحتاج كثير من الناس للتبرير لحب يرونه أغلى ما يملكونه، ولوضع أسباب منطقية لعشق يشعرونه، لكنهم يختلفون في التعليل والسرد، وقد لا يكونون مقنعين لسامعيهم بما يروونه من ميزات فيمن يحبونه، لأن نظرة الناس للناس تختلف، لكن التبرير في هذه الأغنية جاء بالفعل (زي العسل).فلا لوم ولا عتاب، ولا إجبار ولا إكراه، ولا حزن ولا دموع، إنما الأمر كله أن من يذق طعم العسل هو من يحدد الاحتفاظ بمصدره أو نحله ولو تعرض للسع والقرص والنقر.لذلك لا أجد في الأمر غرابة أن اشتهرت هذه الأغنية بكل المقاييس، ولا أرى غرابة في تسابق الفنانات في بداية مشوارهن الفني لغنائها تطرية وتجريبا لأصواتهن في التحكم في الطبقات الصوتية، ومجاراة موسيقى بليغ حمدي الجميلة، وانطلاق تلك الابتسامات العفوية عن كل من قدر له الزمان أن يترنم بها حقيقة أو حلما.كل صاحب قلب يستطيع أن يستلهم من هذه الأغنية حلما (زي العسل) ربما يبتسم يوما وقد تحقق.@albabamohamad
مشاركة :