جدارية النحّات وجدارية الشاعر

  • 2/5/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبولوز خرجت اللوحة التشكيلية على يد الكثير من الفنانين.. من الجدار «أو بوصفها جدارية أو معلقة جدارية» إلى فضاءات الفن المفاهيمي، أو التركيبي، واقترب فنانون تشكيليون كبار من النحت، وزاوجوا بينه وبين الرسم.. من هؤلاء مثلاً على مستوى الفن الإماراتي، نذكر الرسّامة الدكتورة نجاة مكي التي تنحو لوحاتها إلى المساحات الكبيرة دائماً، والمشغولة عادة بما يشبه النسيج اللوني الغزير.جداريات النحت، هي أيضاً أشبه بمعلقات نصبية بعضها أصبح جزءاً من ذاكرات المدن مثل نصب الحرية في بغداد للنحات والمهندس المعماري العراقي جواد سليم، بل أصبح هذا العمل الفني جزءاً من ذاكرة العراقيين أنفسهم، وكان أحياناً، ملهماً للشعراء والكتّاب والفنانين بما فيه من محمولات ورموز نقشية بابلية وسومرية، ومع ذلك حمّل جواد سليم عمله الفني الكبير هذا إشادات إنسانية فكرية ووطنية، تعود جميعها إلى روح العراق.تشتغل الفنانة الأردنية منى السعودي، أيضاً على مساحات وكتل حجرية كبيرة، وهي تطوّع الغرانيت وتبث فيه روح الأنوثة، بل وتصادق الحجر، وتؤنسنه بيد نحاتة في قلبها شاعرة متوارية، ولكن هذه الشعرية تتلألأ في تفاصيل ولغة التماثيل «الثقيلة» المشغولة بخفة.. حتى يتحول العمل النحتي نفسه إلى مادة خفيفة.أنجز النحات هنري مور نحتيات من الرخام والبرونز والحجر.. تمثل شفافية كل ما هو إنساني.. مثل معنى الأمومة، ولأنه عاش الحربين العالميتين.. الأولى والثانية، فهو، بمعنى ما، فنان أكثر من عصر، وأكثر من مرحلة.. وبرزت عبقريته النحتية في الأعمال التي أنجزها في الخمسينات والستينات إن جاز الوصف، من القرن العشرين.بعض النحاتين يستفيدون من الشعر، وبخاصة الشعر الملحمي، ذلك أن العمل الشعري الملحمي يتماثل كثيراً مع ملحمية العمل النحتي، وكما أن بعض الرسامين اعتمدوا على شعراء أو نصوص شعرية في حدّ ذاتها نحو إنجاز أعمال تشكيلية وخطوطية عملت على إيجاد علاقة عضوية بين الشعر والرسم، كذلك نشأت هذه العلاقة بين النحات والشاعر.. ولعلنا نتذكر هنا كيف وظّف الرسام العراقي ضياء العزاوي شعر محمود درويش في عدد من أعماله الفنية.الشعراء، أيضاً، ذهبوا إلى الجداريات ليس بمعنى الرسم، وإنما بالكتابة، ومن يتأمل جدارية محمود درويش بصرياً أو تشكيلياً، من حيث توزيع أسطر القصيدة وطولها وملحميتها يشعر بأنه أمام ما يشبه «الجدار» العمودي المرتفع.. بل ما يشبه الجدار الأبيض.يقول محمود درويش في «الجدارية»: «.. وكل شيء أبيض/البحرُ المعلق فوق سقف غمامةٍ/بيضاء. واللا شيء أبيض في/سماء المطلق البيضاء، كنت، ولم/ أكن. فأنا وحيد في نواحي هذه الأبدية البيضاء...».الجداريات الشعرية تبدو وكأنها عودة إلى زمن المعلقات، والجداريات النحتية هي أيضاً شكل من أشكال المعلقات وذلك لما تتشكل وتتآلف منه.. فالجدارية.. تنطوي على اللون، وعلى الكتابة، وعلى المادة، وعلى الكتلة، وعلى الفراغ، كما تنطوي، كاللوحة، على الظل وعلى النور، أو على الأقل يستقبل العمل النحتي الظل والنور، كما لو يمتصهما ضمن مفرداته النحتية المركبة.الجداريات النحتية والشعرية أيضاً تعبير آخر بالغ الوضوح على الشراكة القديمة بين الفنون، ففي العمل النحتي ثمة لغة، وفي اللغة ثمة نحت.إلى جانب كل ذلك.. فإن كل شيء، وكل كائن يحمل في داخله وفي خارجه أكثر من طاقة.. يلخصها الفن في كلمة واحدة: الحياة.

مشاركة :