الكتابة الهاربة إلى المستقبل بقلم: هيثم حسين

  • 2/5/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ملاحظات الأدباء سواء في مستهلّ أعمالهم أو في خاتمتها تكون بمثابة مصابيح لقراءة النصوص والتغلغل في ثناياها.العرب هيثم حسين [نُشر في 2018/02/05، العدد: 10891، ص(15)] تشكل الكتابة عن الذات حالة من التحليل الذاتي تتداخل فيها نقائض من قبيل الأسى والتفجع والتذكر والتفاؤل، فتغدو مرآة للانكشاف أمام الذات والآخر. تكشف الكتابة شخصية كاتبها، تسرّب ما يحاول التستّر عليه أو إخفاءه بتمريره في نصوصه، لكن من الخطأ التعامل مع النصوص على أنّها نوافذ تلصّص على حياة أصحابها، أو أنّها فاضحة لما يخفونه في قراراتهم المظلمة على أنّها حقائقهم التي يحرصون على إبقائها في العتمة محجوبة عن الأعين والملاحظة. الكتابة تخرج من عباءة التجيير لتفكيك شخصية صاحبها، باعتبارها ساعية إلى تفكيك عالمه وما يدور فيه من أحداث وشخصيات، تكون أداة تشريح متجدّدة تكتسب قوّتها من مرونتها وتجدّدها على أيدي المبدعين في كلّ زمان ومكان. تهرب إلى المستقبل باحثة عن فهم للتاريخ وملابساته، للأحداث وما صاحبها من تفاصيل وأسرار. تكتب الجزائرية آسيا جبّار في خاتمة سيرتها الروائية “بوابة الذكريات” أنّ كلّ كاتب يعرف أنّ اللحظة العجيبة هي تلك التي يفلت الشخص أو القوّة الفاعلة بفضل تفصيل ما في لحظة غير متوقعة، وينزلق بين الأصابع، لا يعود آليا، فجأة يمسي لا المؤلف بل التابع والخادم والعاشق من خلال حمله ظلّ الآخر، هذا الدخان وهذا الظلّ الرفيق والعدوّ في كلمات وأصوات، هذا الصوت الذي يكونونه ويمثلون غيرهم من خلاله. تشير جبّار إلى أنّ الحياة حين لا تكون من لحم ودم، بل مردودة إلى كلمات متحرّكة، يحولها الكاتب في ثانية إلى الرب، الأب والأم في آن واحد، وأنّ حياة النصّ تقاوم وتتمرّد، ثمّ تدوّن ملاحظة في نهاية روايتها تقول فيها “كلّ كتابة تتمدّد في صمت. إنّ الكتابة الهاربة، كما رسمتها ههنا كانت على وعي بذلك منذ البداية: وذلك هو جرأتها وتواضعها. غرورها؟”. تأتي هذه الملاحظة بعد توقيعها في آخر الكتاب وتحديدها زمان ومكان انتهاء كتابتها “2006 – 2007 – نيويورك – باريس”. لا يخفى أنّ نصوص التمهيد والإقفال تكتسب أهمّية كبيرة في قراءة الأعمال الأدبية، ما تثيره في نفوس القرّاء، بالموازاة مع تأويل دوافع المؤلفين للاستعانة بها، حيث تكون مفاتيح لفكّ بعض الأسرار المتعلّقة بأعمالهم، أو كوى للولوج إليها واكتشاف البعض من مخبوئها الذي قد ينحجب عن الاكتشاف في القراءة العادية. تكون ملاحظات الأدباء سواء في مستهلّ أعمالهم أو في خاتمتها بمثابة مصابيح لقراءة النصوص والتغلغل في ثناياها. وتكتسب أهمية حين تكون الكتابة عن الذات، تلك الكتابة التي يمكن توصيفها بالهاربة من قيود الأنا إلى رحابة المستقبل، فتتكامل مع مختلف التفاصيل الصغيرة على هامش العمل، لتوصل للقارئ التصوّر الشامل الذي تشركه فيه بعد أن تجرّده من حياده المفترض. كاتب سوريهيثم حسين

مشاركة :