رأس مالها التهوّر، وضحاياها صاروا كثرًا، إنّها تجارة الدم، وأموال طائلة تنفق لعتق رقاب الجناة، في سوق لا يرتاده إلا القتلة، وهي عادة زادت من معدلات القتل التي لم تكن مألوفة من قبل. استرخاص القاتل للدم، ودور القبيلة فيه، كانت الظاهرة على سندان برنامج “يا هلا”، مساء الاثنين 5 شباط/ فبراير الجاري، وتحت مطرقة الإعلامي خالد العقيلي. وكشف المحامي الأستاذ عبدالرحمن اللاحم، أنَّ استرخاص الدماء، لاسيّما بين الشباب، صار ظاهرة تستلزم إيجاد الحلول لها، وبدأت تتنامى بعيدًا عن النقد البناء، لتقاطعها مع الجوانب الدينية، والقبلية، بينما تقتات فئة من الناس على هذا الملف، على شكل مافيا تغلغلت، وبين عناصرها رجال دين ووجهاء قبائل، متناسين أنَّ الشريعة كانت تواقة للعفو، ولكن بحدود، فهي ليست لمراهقين يتّخذونها بطولة. وأشار إلى أنَّ “بعض العوائل تحترم من يأخذ حقه بيده، أو ينتقم، بل وتصنع منه بطلًا، ما دامت الدية متوفرة”، محذّرًا من تحويل الإنسان إلى كومة مال، يمكن التداول بها، وارتكاب الجرائم بحقها. وأكّد اللاحم، أنَّ المزايدات في قيم الدية، يأتي من باب التفاخر القبلي، ولكن بالأساس المشكلة تكمن في انتشار الأسلحة في أيد غير مسؤولة، في مظهر له أثر غير مباشر على نشأة الشباب، فما لم يتدخل القانون لإيقاف هذا العبث، لن يكون هناك نهاية لاسترخاص الدماء. ورأى المحامي اللاحم أنّه “على السلطة التشريعية إيجاد قانون يجرم القتل بالحق العام، ولا يكتفي بالأعوام الخمس، وهو ما يتطلب تقنين الحق العام، بما لا يقل عن الحكم المؤبد”. ولفت إلى أنَّ “القانون مهمته الأولى ضبط السلوك الاجتماعي المنحرف، ما يحتم وضع عقوبة مقننة للقتل، بعيدًا عن الحق الخاص، الذي يمكن بالدية التنازل عنه”. وأوضح أنَّ “العقوبة القائمة، المقدرة بالحبس خمسة أعوام حال التخلي عن الحق الخاص، موجودة منذ عهد الملك فهد”، لافتًا إلى أنَّ “تقنين العقوبة، يعزل المجرم عن المجتمع والناس، عوضًا عن الدعوة لجمع التبرعات له وعتق رقبته، فحتى التوبة هي لله، وفي الدنيا، على القانون أن يزجر الجاني، ويدع غيره بصرامة وعدل”. وتساءل اللاحم: “الجرائم المدرجة تحت قانون المخدرات، لا دية فيها، وقد ساهم القانون في الحد من تهريب وترويج المخدرات، فلماذا لا يكون هناك قانون مماثل للقتل، عوضًا عن أن نرى القاتل يتراقص فرحًا بحرّيته بعد 5 أعوام، على الرغم من ارتكابه جريمة هدر الدم الحرام؟”. ولفت إلى أنَّه “لا توجد جريمة يمكن أن يرتكبها الإنسان أكثر ظلمًا من إزهاق النفس البشرية، ورغم هذا تكتتب القبيلة على جمع الدية لمجرم، واستقباله على أنه بطل بعد خروجه من هذه المشكلة”. وبيّن أنَّ “التقاليد في بعض العوائل تجعل ممن يستهين بالدماء يمارس هذا العنف بطلًا، وأصبح الأمر هياط”، مبرزًا أنَّ “العصبية القبلية أحد أسباب المبالغة في الديات”. وكشف أنَّ “سماسرة الديات، بينهم نساء داعيات إلى الدين، يتاجرون بدماء المجني عليهم، يتدخلون للصلح بمقابل، ونسبة يحصلون عليها من قيمة الدية، وفي الوقت نفسه يستخدمون تأثيرهم على الناس للحصول على العفو”.
مشاركة :