الجسد الأنثوي يصمد في مواجهة الأورام الخبيثة

  • 2/6/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في سياق المعركة المفتوحة ضد السرطان، وهي لا تزال في أطوارها الأولى علميّاً، الأرجح أنه من المفيد استعادة إحدى تجارب الجسد الأنثوي مع الأورام الخبيثة. وفي الذاكرة، أن نساء الولايات المتحدة أثبتن قدرتهن على إجبار السرطان على التراجع، وفق تقرير صدر في الآونة الأخيرة عن «الجمعيّة الأميركية للسرطان». وشكّل ذلك علامة بيضاء في مسار النظام الصحي في الولايات المتحدة، في الوقاية والعلاج سويّة. وكذلك مثّل تحدّياً لمجموعة من المفاهيم الرائجة علميّاً وشعبيّاً عن السرطان ونشوئه وعلاجاته، ودور البيئة والجينات والتقدّم العلمي في مساراته. إذ استُهلّ التقرير بالإشارة إلى تراجع مستمر في الإصابة بالأورام الخبيثة بين الأميركيّات خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بقرابة 1.8 في المئة سنوياً، فيما لم يتخطّ الرقم عينه بين الرجال الـ0.6 في في المئة. وتعتبر تلك الأرقام إنجازاً كبيراً لنُظُم الوقاية من السرطان، التي تشمل إجراءاتها مكافحة التدخين، مراقبة الأطعمة، زيادة وعي الجمهور بأسلوب الحياة الصحي، الاهتمام بالتلقيح، انخراط الإعلام في حملات التوعية عن السرطان والعوامل المرتبطة به، وتكاثر الجمعيات الأهليّة المهتمة بمكافحة الأورام الخبيثة وغيرها.   الحذر من الأنفاس رصد تقرير «الجمعية الأميركية للسرطان» انخفاض الإصابة في ثلاثة أنواع من الأورام الخبيثة عند الرجال (الرئة والبروستات والقولون) ونوعين من سرطانات النساء (الثدي والقولون). في تعليقه على المعطيات التي تشير إليها تلك الأرقام، لاحظ البروفسور جون سيفرن، وهو رئيس «الجمعية الأميركية للسرطان»، أنّ رقماً يتراوح بين 1 و 2 في المئة ربما بدا متواضعاً، لكنه يعني تجنّب إضافة 650 ألف حالة سرطان على مدار 15 عاماً. وشدّد على أن الأرقام تؤكّد أيضاً أن تراجع إصابة الأميركيّات بالسرطان مستمر في شكل ثابت، ما يعني نجاح برامج الوقاية من ذلك المَرَض المميت. والأرجح، أن نُظُم الوقاية الأميركية ناضلت ضد فيض هائل من العوامل التي ترفع الإصابة بالسرطان في المجتمعات الحديثة، ويعطي تلوّث الهواء مثالاً عنها. إذ أكّدت دراسة أجرتها مجموعة علميّة إيطاليّة، نُشِرَت قبيل صدور التقرير الأميركي، أنّ تنفسّ الهواء الملوّث حتى لفترة قصيرة ربما يتلف الحمض الوراثي ويؤثّر في تركيبة الجينات، بطريقة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. ودرس أولئك العلماء تركيب الحمض الوراثي عند عمّال يتّمتعون بصحة جيدة، بعد تعرّضهم لجسيماتٍ صغيرة من مواد التلوّث موجودة في الهواء قرب مدينة ميلانو. وتبيّن أن تنشق الهواء الملّوث لثلاثة أيام، أدى إلى إضعاف الجينات التي تقاوم السرطان. وتتصدّر المدن الأميركية الكبرى قائمة المُدُن التي تعاني تلوّث الهواء فيها.   أهمية اليقظة العلميّة ورصد التقرير الأميركي أيضاً تراجع الوفيّات الناجمة عن السرطان في الولايات المتحدة. إذ تراجعت عند الرجال بـ19.2 في المئة مع انخفاض وفيّات سرطان الرئة (37 في المئة) والبروستات (24 في المئة) والقولون (17 في المئة)، خلال السنوات الخمس الأخيرة. وتشكّل تلك الأرقام 80 في المائة من إجمالي التراجع. وبين النساء، انخفضت وفيّات السرطان بـ11.4 في المئة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، مع تراجع وفيّات سرطان الثدي بـ37 في المئة، والقولون بـ24 في المئة. ويمثّل الرقمان 60 في المائة من إجمالي الانخفاض.   تشي تلك الأرقام بنجاح النُظُم الطبيّة أميركيّاً في التشخيص المُبكّر للسرطان وعلاجه. وتشير أيضاً إلى كفاءة تدخّلات طبيّة كاستعمال المِنْظار في الاكتشاف المُبكّر لسرطان القولون. وشدّد التقرير عينه، على أنّ النجاح في العلاج لا ينفصل عن إجراءات الوقاية، وفق ما يظهر في العلاقة بين انخفاض نِسَب التدخين عند الرجال وزيادة نسب النجاح في علاج سرطان الرئة لديهم. وأظهر التقرير ارتفاع معدلات السرطانات لدى ذكور الأفارقة الأميركيين بـ18 ضعفاً بالمقارنة مع نظرائهم البيض. وفي مفارقة لافتة، أشار التقرير إلى أن صاحبات البشرة السوداء أقل تعرّضاً للإصابة بسرطان الثدي من نظيراتهن البيضاوات، فيما ترتفع نسبة الوفيّات عن الأفريقيات الأميركيّات في حال إصابتهن بسرطان الثدي، بالمقارنة مع نظيراتهن البيضاوات. وفي المقابل، لا يحسم التقرير في شأن ذلك التفاوت الذي يذكّر بمجموعة ضخمة الفوارق بين البيض والسود اجتماعياً في الولايات المتحدّة. وقبل فترة غير بعيدة أيضاً، ظهرت دراسة عن «مركز سرطان الثدي» في جامعة «إيموري» الأميركيّة، تتحدث عن رفض ربع النساء السود الخضوع للعلاج بالأشعة والأدوية الكيماويّة في المراحل المتقدّمة من سرطان الثدي. وأشارت الدراسة إلى غموض الأسباب التي تقف وراء رفضهن نوعَي العلاج! ومُجدداً، ربما تؤدي العناصر الاجتماعية دوراً في ذلك الرفض، خصوصاً أنّ العلاجين يترافقان مع تغيّرات جسديّة كبرى (كالوهن الشديد وتساقط الشعر)، ما يجعل المريضة في حاجة إلى مساندة كبيرة عائليّاً واجتماعيّاً.

مشاركة :