«معركة» على الجثث في الموصل بعد هزيمة «داعش»

  • 2/6/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كان العراقيون الذين عادوا إلى الحي القديم في الموصل يدركون أن من الصعب العيش وسط الركام الذي خلفته المعركة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، لكن ثمة أمراً واحداً في المنطقة يجدون أنه لا يطاق بعد مرور سبعة أشهر على توقف القتال. وقال عبد الرزاق عبد الله الذي عاد مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى الحي، الذي شهد آخر معركة خاضها المتشددون في تموز (يوليو) الماضي مع القوات العراقية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة: «لا أريد أن يمشي أطفالي بجوار جثث قتلى في الشارع كل يوم». وأضاف: «نقدر على العيش بلا كهرباء، لكننا نحتاج لأن ترفع الحكومة الجثث. فهي تنشر الأمراض وتذكرنا بالفظائع التي عشناها». وتتصاعد رائحة الموت تزكم الأنوف من أركان تمتلىء بالركام وسط الخراب الذي حل بالشطر الغربي من الموصل، ومن سيارات يأكلها الصدأ لا تزال مفخخة بالمتفجرات ومن بيوت مهجورة، بعدما فر من استطاع الفرار من النهاية الدموية لحكم المتشددين الذي استمر ثلاث سنوات. وغالبية الجثث الملقاة في العراء في شوارع كثيرة لمتطرفين من التنظيم ممن تراجعوا إلى المباني المتلاصقة في الحي القديم، الذي لم يعد إليه سوى نحو 5 آلاف فقط من سكانه قبل الحرب، هم الذين ضاقت بهم الدنيا فاضطروا إلى العودة، من بين أكثر من 200 ألف نسمة. ويقول سكان ومسؤولون في مدينة الموصل إن «جثث آلاف من المدنيين لم تنتشل بعد من الأنقاض، لكن الحكومة العراقية ترفض ذلك». وقال رئيس قوات الدفاع المدني في المدينة العميد محمد محمود: «لا توجد جثث أخرى لمدنيين لانتشالها في الموصل». والدفاع المدني التابع إلى وزارة الداخلية هو المكلف رفع الجثث وإصدار شهادات الوفاة. ويقول الدفاع المدني إنه جمع جثث 2585 مدنياً حتى منتصف كانون الثاني (يناير)، وإنه لم يتم التعرف على أصحاب الكثير منها، وأنه استكمل عملياته. ولا يريد الدفاع المدني إهدار موارده على جثث المتشددين. وأوضح محمود: «لماذا نمنح الإرهابيين (فرصة) الدفن اللائق». ويهدد الخلاف على جثث القتلى بزيادة غضب سكان المدينة الذين أرهقتهم حرب صعبة وحكم المتشددين القاسي في مكان وجد فيه التنظيم في البداية بعض التعاطف. كذلك فإن العدد النهائي للقتلى من المدنيين مسألة سياسية لها حساسية كبرى في العراق بل وخارجه. من جهة ثانية، اضطرت مديرية البلدية إلى تشكيل فريقها المختص لتلقي طلبات سكان المدينة للعثور على أكثر من 9 آلاف مفقود، غالبيتهم كانت آخر مرة يشاهدون فيها في الحي القديم، ومن المفترض أنهم دفنوا تحت الركام. ويعمل الفريق حالياً على إنجاز طلبات لرفع 300 جثة ويرسل مجموعات لانتشالها كلما أمكن. لكن هذه الجثث هي التي شاهدها جيران أو أفراد العائلات أو المارة وحددوا مواقعها. وذكر رئيس لجنة انتشال الجثث في مديرية البلدية دريد حازم محمد: «لا نعرف عدد الجثث الأخرى تحت الركام ... إذا لم تتصل بنا أسرة أو شاهد رأى الناس يموتون لإبلاغنا على وجه التحديد بعدد الجثث في موقع ما فلا سبيل لنا لمعرفة ما إذا كانت هناك جثة أو خمسة أو 100 مدفونة فيه». ويقول سكان محليون إنه تم حفر قبور جماعية مع اشتداد حدة المعركة. ويقول السكان إن 100 من جيرانهم دفنوا بشكل جماعي في قبور غير عميقة في باحة مسجد أم التسعة بالحي القديم. وأوضح محمود كريم: «دفنت أنا بنفسي بين 50 و60 شخصاً، بيدي، بينما كانت الطائرات تحلق فوق الرؤوس وتقصف المدينة». ولم تذكر مديرية البلدية في الموصل العدد المحدد للخسائر البشرية في صفوف المدنيين، غير أن رئيسها عبد الستار الحبو قال إنه «يتفق مع تقديرات بمقتل نحو عشرة آلاف مدني خلال المعركة، بناء على تقارير المفقودين ومعلومات عن القتلى من المسؤولين». ويشمل الرقم ضحايا القتال البري وضحايا قصف قوات التحالف. وعلى رغم أن أبرز المشاكل في الموصل هي جثث المقاتلين المتروكة في الشوارع، فإن السكان يقولون إنهم «عثروا أيضاً على جثث لأفراد يشتبه أنهم من أقارب أعضاء داعش في بيوتهم». وما يعرقل جهود فريق الانتشال التابع لمديرية البلدية قلة الأموال المخصصة له. ففي أيام عدة خلال كانون الثاني (يناير) اضطر أفراد الفريق لوقف العمليات لنقص القفازات والأقنعة وأكياس الجثث. ولجأت بعض العائلات إلى الحفر بنفسها لاستخراج جثث ذويها.

مشاركة :