تفسر نزعة الاستعلاء في الصحافة الفرنسية تجاه المغرب بالرغبة المُلحّة في الهيمنة على شعب يعيش خارج دائرة الحضارة الفرنسية الغربية. ولقد بينت العديد من الدراسات التاريخية كيف توغلت فكرة الاستعمار في العمق الثقافي والسياسي الفرنسي على اختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية. فالصحفيون الفرنسيون الذين ينتمون لليمين يتفقون على تبنّي مواضيع وقضايا تحط من القدرات الثقافية والفكرية لشعوب المستعمرات. وتتجه الصحافة اليسارية إلى فكرة تحديث تلك المجتمعات وتحضيرها، إيماناً منها بعالمية الحضارة الفرنسية الغربية وبُعدها الكوني، بدعوى أنها قادرة على تحرير الشعوب المستعمرة والإنسان المغربي؛ لدورها في إخراج الإنسان الغربي من التخلف وتحريره من كل القيود التي مورست عليها في السابق. هذه النظريات وغيرها طبعت خصوصية الصحافة الفرنسية يميناً ويساراً تجاه المغرب. فهي تندرج ضمن مكونات الخطاب الصحفي الفرنسي الذي يتبنى عقدة القوة والفوقية والسلطة. ومن ثَم لا يمكن تغيير هذه الرؤية نحو الآخر، لارتباطها بعقلية لها امتداد في البنية الفكرية الفلسفية للثقافة الفرنسية في علاقته مع القوة الغربية، طيلة مراحل تشكّلها في الماضي. فواقع الصحافة الفرنسية التي تروم التحكم من حيث منظورها التاريخي، تعتمد أسلوباً غربياً للسيطرة على المغرب وامتلاك السيادة عليه فكرياً وثقافياً. فهي حركة ثقافية لها امتداد في عالم الفلسفة الأوروبية للاستحواذ على الشعوب واستعمارها. مما يصعب على المغرب أن ينظر على امتداد الصراع كمحاور للغرب. وترتبط النظرة الاستعلائية وفرض الهيمنة للصحافة الفرنسية بالثقافة الفرنسية وبأسس خطابها الاستعماري، الذي رسخ واقع الفوقية الغربية والدونية المسلمة، وهو إحساس الغربي الفرنسي، من خلال استخدام خطاب صحفي، يفصح عن نظرته الدونية للآخر المغربي، وترتبط المعرفة في هذا الخطاب بمبدأ القوة الغربية، من حيث إنتاجها ونشرها. فالصورة التي صاغتها الصحافة الفرنسية عن المغرب قبل وخلال الاستعمار، قامت بإنتاج أساطير وخرافات عن تقاليد المغاربة وعاداتهم وثقافتهم، وأنشأت مفهوم المغرب بعيداً عن معطيات الواقع والتاريخ، كأساس وأصل للرؤية الدونية له لفرض السلطة والوصاية على الآخر. تنبع هذه التصورات الأيديولوجية من نظريات فكرية لمنظرين أوروبيين أسسوا أفكاراً استعلائية. ومنها قانون الفيلسوف هيغل التطوري الذي شجع على قيام مدارس فلسفية في أوروبا. تؤكد على مقولة مركزية أوروبا في قيادة البشر كقاطرة التاريخ، وتعميم نموذجها بالقوة، فهيغل نظر إلى خصائص البشر من جهة تفوقية، وليس من حيث المشترك الإنساني وتنوع الثقافات. وساهمت نزعة التحقيب وتمرحُل التطور في صوغ نظريات أوروبية في رفض التعدد والتنوع واختلاف قوانين التقدم. وبالغت تلك النظريات في اختزال البشر وتقنين مسارهم التاريخي ضمن قنوات جاهزة سلفاً لا تزيد عن مقياس فحص تقدم الشعوب وتخلفها. كما نسفت تلك النظريات، نظرية احتمال نهوض الأمة وتراجعها ثم عودتها مجدداً إلى النهوض. وفي الآن نفسه ألغت فكرة أن النهضة الحضارية تنهض وتغرب في كل مكان. وجعل هيغل في نظرية تطور التاريخ نحو الحرية دائرة الانطلاق للحكم على البشر وتصنيفهم، بين شعوب داخلة أو خارجة، مساهمة أو غير مساهمة في صناعة التاريخ. إن نزعة السيطرة والتحكم من طرف الغرب نحو الآخر تتواصل في الزمان والمكان، فقد نشرت صحيفة" الغارديان البريطانية " في فبراير/شباط 2012 تقريراً موسعاً، تضمن في طياته دروساً من تاريخ التدخل الغربي. وقد تضمن التقرير محاور هامة من أبرزها أن الغرب لا يمل في سعيه للسيطرة؛ مهما كانت العقبات. ينظر بعض المتتبعين إلى إمكانية تغيّر رؤية التحكم في الصحافة الفرنسية، في حال حدوث تغيرات جذرية في بنية العقل الفرنسي، وحدوث تغيرات في موازين القوى، وانتقالها وتمركزها لدى المغرب. وعندئذ سينتقل الخطاب الصحفي الفرنسي إلى الإحساس بقدرة المغربي وتمكنّه من مغادرة مرحلته المتعثرة، وإبراز ما أنجزه فيها، فيُحدث تحولاً في المعرفة التي تساوي القوة، وهكذا تتغير نظرة الصحافة الفرنسية للمغرب في مجلّات متعددة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :