فجأة بدأ الشوك يدب في أصابع يدي وقدمي عمر، وما لبث الشوك أن صار غصونا يابسة. عمر يتحول يوما بعد يوم إلى "شجرة" يابسة، ويفقد القدرة على الحركة والعمل والاختلاط بالناس. DW عربية زارت عمر في بيته بالأنبار في العراق. طريح الفراش معزول عن زوجته وبناته الثلاث الصغار الذين يألمون له ليل نهار، وهم شهود لا قوة لهم على مرض يحول رب بيتهم الى شجرة، يقضي عمر حياته منذ خمس سنوات متمشياً بين جدران بيته، ولا يجروء على الخروج، إلا على قدر الذهاب للأطباء. في الثالة والأربعين من عمره يسير عمر حافي القدمين حتى يصل إلى باب الدار، ويفتحه ويبقى مترددا من الولوج الى العالم الخارجي ، فشكل مرضه غريب ومخيف يرعب الناس منه، وما يلبث أن يعود أدراجه ليكمل حياته اليومية حبيس الجدران لا يقوى سوى على النوم والأكل. كيف كانت بداية الكارثة؟ في سنة 2013، بدأت أعراض غريبة تظهر على يدي وقدمي عمر، وباتت الاشكال تنمو تتخذ أشكالا تشبه غصون وجذور الشجر مع ظهور نتوءات صغيرة على رأسه ووجهه تشبه الثآليل. واكتشف عمر بمرور الوقت ومراجعة الاطباء أنّه مصاب بداء "الرجل الشجرة" الذي يعرف باللاتينية Epidermodysplasia verruciformis . يقول عمر لـDW عربية: "راجعت العديد من الأطباء داخل العراق ولم استجب لكل العلاجات لأنها اختصت بأمراض جلدية أخرى كالصدفية مثلا. بعت بسبب المرض كل ما أملك وهي قطعتي أرض وسيارة، وانفقت اقيامها للعلاج خارج العراق، لكني لم أشف من المرض" . وهكذا فقد عمر كل ما يملك وبات يعيش على الرعاية الاجتماعية. حاول الرجل أن يعالج نفسه في دول الجوار، وبهذا الخصوص يقول "سافرت إلى الأردن ولم يستطيعوا علاجي لعدم معرفتهم بالمرض، بعدها سافرت إلى لبنان وعملوا التحاليل وأخبرني الطبيب بوجود نقص في المناعة ووجوب إجراء عملية جراحية تجميلية في أحدى الدول الأجنبية". قدما عمر لا تعينانه على المشي بسبب داء الرجل الشجرة علاجه في كوبا ولكن اليد قصيرة! لجنة طبية عراقية زارته في البيت بعد مناشدات عدة صدرت عنه وعن أسرته، وخلصت الى وجوب إجراء عملية جراحية له تحت إشراف طبي متخصص في كوبا. لكن المساعدة المنتظرة لم تصله من الجهات الرسمية، وبقيت أصابعه تنمو ويفقد القدرة على استخدام يده وقدمه يوميا ويقول بهذا الخصوص " لم أعد أراجع أي طبيب داخل العراق لضعف حالتي المادية وعدم استجابتي للعلاج، وأعيش حاليا أنا وعائلتي على راتب الرعاية الاجتماعية أستلمه كل شهرين ووالدا زوجتي يساعدونا من الناحية المادية أيضا". الآثار النفسية للمرض تبدو أكثر دماراً، وهنا يقول عمر باكيا بيأس مطلق"لم أعد أتحمل المرض والمكوث في البيت، بعض الناس تأنف مني وتخاف من شكلي الخارجي". مقابل كل هذا اليأس يحتفظ عمر ببضعة من أمل ويقول: "رغم ذلك لم أفكر بالانتحار لأن إيماني بالله قوي هو الذي ابتلاني بالمرض وهو يشفيني". ثآليل على رأس عمر ورقبته ما هو داء" الرجل الشجرة"؟ داء" الرجل الشجرة" أصاب أول مرة "ديدي" البالغ من العمر35 سنة، وهو صياد سمك إندونيسي يقيم في إحدي القرى في جنوب جاكارتا، عاش حياة صعبة لأنه يعيل والدته ووالده، ويتجول من نهر إلى آخر بحثا عن لقمة عيشه. وحين مرض أقعده المرض الغريب عن كل شيء. الدكتور علي فيصل، اختصاصي الأمراض الجلدية، شرح لـDW عربية اسباب وأعراض المرض قائلا: " هذا المرض النادر للغاية ناتج عن طفرة جينية مرتبطة بمرض جلدي وراثي يرافقها ارتفاع نسبة الإصابة بمخاطر سرطان الجلد وممكن أن ينتقل المرض وراثيا دون أن يكون هنالك شخص آخر من العائلة مصاب به" ويتابع د.علي "نتيجة هذه الطفرة الجينية يكون الجسم على استعداد للإصابة بنوع خاص من الفيروسات هو فيروس الورم الحليمي البشري ما يسبب نمو الجلد بشكل غريب ومتضخم على شكل جذور شبيه بجذور الشجرة". وفي معرض حديثه عن علاج المرض يقول د.علي " العمليات الجراحية ليست شافية ممكن أن يعود المرض بالمستقبل لكن بعد العملية هنالك إجراءات احترازية طبية تجرى لتقليل عودة تفاقم المرض ". لكنّ المخيف أن هذا المرض يمكن ان يسري بالعدوى، وفي هذا السياق يقول الطبيب المختص "نسبة عدوى المرض ضئيلة جدا تصل إلى خمسة بالمئة ممكن أن تنتقل بالمصافحة". د. علي فيصل ورغم كل هذا، ففي أماكن أخرى من العالم سُجلت حالات تعافٍ نسبي من المرض وأغلبها سجلت عام 2017، والعلاج هنا جرى غالبا باستئصال النمو الشجري، لتمكين المريض من ممارسة شكل من أشكال الحياة الطبيعية. وحالات الشفاء الجزئي هذه سجلت حتى الآن في بنغلاديش و في إسرائيل. سحر ما زالت تحب عمر رغم مرضه المصابون بأمراض تؤدي الى تشوهات ظاهرة يفقدون أحبتهم، وينعزلون عن العالم رويدا رويدا بسبب أمراضهم، لكن سحر حميد البالغة من العمر 33عاما رفضت أن تفارق زوجها عمر، وبهذا الخصوص قالت لـDWعربية: "لا أخاف من شكل مرض زوجي إنما حالتي النفسية تتعب عندما أراه يتألم ومرضه يتفاقم"، تتابع الحديث وهي ترنو إلى زوجها "لن أتركه أبدا وسأرعاه دائما في المأكل والمشرب والملبس والاستحمام"، مضيفة "بعت كل ما أملك حتى الذهب لمساعدة زوجي في العلاج وكنت أود مساعدته أكثر للشفاء من المرض". يتذكر الزوجان كيف كان عمر يمارس حياته طبيعيا قبل إصابته بالمرض حيث كان يمارس أعمالا حرة. ويتذكر عمر اللحظات السعيدة قائلا: "لن أنسى لحظات عملي بالتجارة الحرة بيدين وقدمين سالمتين والسعادة تغمرني ". يحتاج عمر الى عملية استئصال للنمو الشجري السرطاني، وهذا يتطلب انفاقا وأموالاً لم يعد يملكها، من هنا يناشد الجهات الحكومية والمنظمات الخيرية مساعدته لإجراء العملية خارج العراق عله يعود ولو جزئيا الى حياته الطبيعية. فرح عدنان-الأنبار- العراق
مشاركة :