بقلم : نجيب عبد الرحمن الزامل يا غربتي لا تطلقي أسري ** لم يبق لي في العمر ما يغري- عمر أبو ريشة. هل الغربة حقا أسر؟ أم هي من مبالغة الشاعر؟ الغربة من اسمها تدعو للشوق، والشوق شعور قوي يفرض غلبته على المغترب. والطلبة المبتعثون يشعرون بقوة الشوق ومغالبته. ومن هنا حكاية ابننا الفقيد عبد الله القاضي الذي أفزعنا جميعا بمقتله وهو في غربته وفي ذلك العمر المبكر. ما حدث لعبدالله روعنا، وروعني أنا بالذات، لأن والديه اتصلا بي قبيل الحادثة التي كادت أن تنزع قلوبنا من بين أضلعنا. وأطلب من الله أن يثبت والديه ويرسل لهما مددا من الصبر ومجالدة النفس، فمصابهما ليس سهلا.. وكانت الأم تقول لي: إذا جاء من أمريكا فإني سأبقيه معي، بجانبي، ولن أرسله ثانية، ولن أتركه يبتعد عني. كانت مكالمة من تلك المكالمات التي تضع علامة عميقة في قلبي، وتبقى معي ما بقي لي من عمري. إن ما حدث لعبدالله لن يمرّ بلا أثر. لا نريده أن يذهب فقط هكذا بدون أن تبقى عبرته في الأرض لما رحل بإذن الله شهيداً للسماء.. وأثره سيبقى في قلوب عشرات الآلاف من الطلبة في أمريكا وبقية دول العالم التي بها بناتنا وأولادنا يتلقون علومَهم. بناتنا وأبناؤنا المبتعثون: إنكم في غربة، ويجب أن تتأكدوا أنكم في غربة، والغربة التي تحدث عنها الشاعر وسماها أسرا، قد ترونها انفتاحاً وحرية وفساحة بالحرية الشخصية، ولكنها ليست بلا ثمنٍ يُدفَع.. وليس هناك شيء في هذا العالم بلا ثمن. سيبقى أنكم في غير بلادكم، وسيبقى أنكم غرباء في بلد غريب، وسيبقى أنكم بكل مكان تذهبون إليه من الجامعة للكافتيريا للمكتبة للشارع سيراكم أهل كلّ بلد غرباء. ويتلقى الناس الشعوب الأخرى بمشاعر وصور انطباعية مختلفة، فالياباني في أستراليا ليس كالعربي وبالذات العربي الخليجي.. أي أنتم. فبينما ينظر الأسترالي للياباني بصورة الآتي من بلد صنع معجزة في أرخبيله الضيق والفقير الموارد الطبيعية، يرى العرب الخليجيين جماعة مثل أثرياء الحروب. لا تعتقدوا أبدا وهنا أرجوكم رجاء أنكم ستنصهرون عاديين ضمن إناء المجتمع الكلي في أي بلد مهما بلغت فيه قوة الحريات، ستبقون شئتم أم لا تحملون هذه الصورة الانطباعية أنكم تمشون كأبراج الذهب؛ وتعرفون كيف تناحر الناس خصوصا في بلدان تدرسون بها كأمريكا ونيوزيلاندا وأستراليا بما سمي بحمى الذهب. إني لا أخيفكم، فلن يصيبكم إلا ما قدره الله لكم، ولكن علينا دوما ببلاد الغربة أن نضاعف الحذر. رأيت في رحلتي الأخيرة لأمريكا أن بعضاً من الشباب الموسرين يستعرضون بسياراتهم الفارهة، وبأزيائهم الفاخرة، وأعني كل مبتعثي دول الخليج، وكأنهم يقولون للمجرمين والطامعين: انظروا إلينا، أرانب سمينة جاهزة للصيد. هؤلاء سيكونون أهدافا متحركة لكل طامع بمال، وكل مجرم متشرد وليس فقط الشبكات المنظمة. أغلب طالباتنا وطلبتنا ببلدان الابتعاث أقرب للفقر ويحتاجون أحيانا ولا يجدون مالا يقضون به حوائجهم، وهنا رجاء أرفعه للملحقيات ألاّ تتأخر المكافآت أو يقطعونها بأي حال حتى لا يتعرض أبناؤنا وبناتنا لمشاكل قلة المال في الغربة. إن المستعرضين من الموسرين سيسحبون انطباعا من أهل البلدان التي يدرسون بها حتى على بقية إخوانهم وأخواتهم المحتاجين، وقد يتعرضون للابتزاز أو الإيذاء. الآن أقترح أن يظهر برنامج الحذر المدروس، ولنسمه برنامج عبد الله القاضي للحذر. وأتمنى أن يتبناه مسؤولو الملحقيات، والرابطات الطلابية.. ويوزع على كل مبتعث خصوصا المستجدين. وهنا، وعبد الله رحمه الله في السماء سيبقى أثره نافعا على الأرض. نقلا عن الاقتصادية
مشاركة :