ق/ رزق "Loveless".. عندما تسكن الأنانية قلوبنا يرحل الحب بقلم / هيام مهدى "أينما تحل الأنانية يرحل الحب إلى مكان مظلم، فيصبح القلب مدينة خاوية من الحياة تحيطها أسوار عالية تعزلها عن العالم"، هذه هي التيمة الأساسية لفيلم "loveless" الذي رشح مؤخراً لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي. يبدأ الفيلم بمشاهد لأشجار جرداء بلا حياة، وهناك الطفل (اليوشا) الذي يسير داخل هذه الغابة الموحشة في العزلة يسير وحيداً، ينظر إلى الأطفال أمام منزله وهم يلعبون في جماعات صغيرة؛ ليبدأ الفيلم في سرد قصة أصبحت مكررة في كل بُقع العالم وليس في روسيا فقط. الأم هنا في الفيلم عصرية تواكب الموضة والحياة وتجددها مهتمة بأن تلتقط لنفسها صور السيلفي ونشرها على الإنستغرام، فالهاتف جزء لا يتجزأ من يديها لا تتركه إلا قليلاً؛ لتظهر اهتمامها الصارخ بوسائل التواصل الاجتماعي في مشهد وهي تتحدث مع طفلها الذي يجلس أمامها لتناول طعام الإفطار قبل ذهابه للمدرسة، لا ترفع بصرها لتنظر إليه أثناء الحديث؛ ليوضح انعدام التواصل بين الأم والابن في غربة واضحة بينهما. زوجة تريد حياة جديدة تناسب كل طموحاتها، وتعوض فشل اختيارها الأول الذي أجبرها عليه هو الحمل الخطأ، وفي لحظة صدق تلقي بكل ما بداخلها وهي في أحضان عشيقها، إنها لم تشعر بالحب في حياتها من قبل، افتقدته طفلة مع أمها فنمت كشجرة جافة لم تزهر حباً حتى مع ابنها، وظلت ترفضه منذ ميلاده؛ ليصبح هذا الكائن الضعيف الذي انسل خارجاً منها سبب تورطها مع زوج لا تحبه. الزوج.. رجل لا يهتم سوى بكيفية الخروج من هذه الزيجة بأقل الخسائر والتنصل من عبء مسؤولية الابن، ويقبل بمنتهى البساطة اقتراح الأم بوضع الطفل في مدرسة داخلية، فهذا لا يثير بداخله أي شعور ما يقلق من أجله حقاً، هو الخوف من معرفة صاحب العمل الكاثوليكي المتشدد الذي لا يوظف في شركته سوى المتزوجين، والطلاق مرفوض بين العاملين بالشركة. ورغم أن القصة الرئيسية في الفيلم هي الزوج والزوجة والابن الضائع بينهما لا يخلو من مشاهد تصور مدى سطحية العلاقات بين الجميع، فهناك الفتاة التي تعطي رقم تليفونها لرجل لا تعرفه لتعود لتجلس مع آخر والابتسامة تعلو الوجه في ود وحب، إلى ابنة رفيق الأم الجديد الذي يعيش في وحدة بعيداً عن ابنته الوحيدة التي تكتفي برؤيته عن طريق الإنترنت، علاقات أشبه بواقع افتراضي وتعبيرات هي مجرد علامات دون أن تلمس الشعور. وفي أحد المشاهد المهمة في الفيلم يختبئ الطفل الضعيف خلف باب الحمام مهملاً لا يكاد يلمحه أحد، بعد أن استمع إلى صراخ والديه في صراع واضح على من سيتحمل عبء مسؤوليته، الجميع أراد أن يسير في طريقه كأنه لم يكن، يقف خلف باب الحمام يبكي في صمت ويكتم حزنه بكلتا يديه، في مشهد تقشعر له الأبدان وتتحرك له القلوب سليمة الفطرة؛ ليقهر في صمت تام. وفي غفلة من انهماك الزوج والزوجة في علاقاتهما الجديدة يكتشف كلاهما أن الابن اختفى من حياتهما ويحررهما من حمل ثقيل عليهما. وفقط للشعور بالواجب تبلغ الأم الشرطة حتى لا يقفز الضمير ليقيم محاكمة مستمرة يبحث الأب والأم عن طفلهما بلا جدوى؛ ليعود كل منهما إلى حياته التي رغب بها؛ لتعود الدائرة للبداية من جديد، نفس الصمت بين الأم وعشيقها، نفس الإهمال من الأب للابن الجديد مع استمرارية المشاكل بشكل آخر مع الزوجة الجديدة، ليس هناك جديد، الجميع يسعى للتغيير الخارجى، يريد إزالة القشرة الخارجية فقط، وتظل في الداخل "الأنا" الحاكم الآمر في الداخل؛ لينتهي الفيلم بنفس مشهد البداية، أشجار جرداء، طبقات من الثلج تغطي كل شيء وشريط معلق في شجرة كان ممسكاً به "اليوشا" في بداية الفيلم. ويبقي السؤال: هل غياب الحب يشوّه الفطرة الإنسانية؟ هل فاقد الحب لا يستطيع أن يعطيه لأقرب الناس إليه؟ أم نحن الذين قررنا أن ننزع كل ما هو غريزي وبداخلنا بالفطرة لنمنح ونمنع كيفما اقتضت مصلحتنا الشخصية نعاقب من لم يكن له إرادة في اختياراتنا الخاطئة؛ لتصبح دائرة من القسوة المتبادلة يورثها جيل لجيل، هل تسير البشرية نحو التقدم في كل شيء، ومعه يتناقص الشعور الفطري السليم؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :