أكد مرصد الأزهر، أن الرياضة تُعتبر من أهمِّ العواملِ التي تساهِمُ في بناءِ مجتمعاتٍ قوية وصحية، وتساهِمُ كذلكَ في تعزيزِ التفاهُمِ وتقبُّل الأخر، فهي تساعِدُ على بثِّ رسائل السلام والتقارب بين الأفراد والجماعات والشعوب على مختلف الأجناس. وأضاف المرصد في تقرير لها بعنوان«الرياضة تحت مِجْهَر التطرف» أنَّ للرياضةِ أهمية بالغة في الوقت الراهن باعتبارها آلية من بين آليات التصدى للتحديات الخطيرة التي تهدد كيانَ المجتمعات وهويتها، من تصاعُدٍ لوتيرة الإرهاب المنظم وانتشارٍ للتطرفِ العنيف عبر أنحاء العالم.وتابع: ولا يكاد يخلو مجتمعٌ من المجتمعات البشرية من شكلٍ من أشكال الرياضة، بغضِّ النظرِ عن درجة تقدُمِ هذا المجتمع؛ لأن الرياضة تُعد وسيلة لتقارب المجتمعات، وإن اختلفت توجهات كل مجتمع بشأنها. فهناك مجتمعات اهتمت بالرياضة لاعتباراتٍ عسكرية، والبعض الآخر مارَسَ الرياضةَ لشَغْلِ أوقات الفراغ، وكوسيلة من وسائل الترفيه والترويح، وهناك مجتمعات اعتبرت الرياضة آليةً من آلياتِ التربية، حيث إنها وسيلةٌ ناجعة في تربية النشء وبناء الشخصية الاجتماعية الصالحة. واستطرد: أمّا في عصرنا الحاضر فيلجأُ إليها العالمُ كوسيلة لحماية المجتمع ووقايته من مخاطرِ التَّطَرُّفِ والإرهاب، فالرياضةُ وسيلةٌ لتعزيز السِّلْمِ الاجتماعي، لأنها تعتمد بالأساس على المشاركة والاندماج، وهي تُقَرِّبُ بين الأفراد، وتعمل على إشباعِ الحاجات الاجتماعية للفرد، مثل القبول المتبادل والانتماء، والثقة، وإدارة الذات، والقيادة،... إلخ.وأكمل: وإذا نظرنا إلى الإسلام نجدُ أنه قد أولى الرياضةَ أهميةً خاصةً في تقوية أجيالِهِ وتنشئتهم انطلاقًا من قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "علموا أولادَكم السباحَةَ والرِّمايةَ وركوبَ الخيلِ". ونهى الإسلامُ عن استخدام تلك الوسيلةَ (الرياضة) في الظُّلم والطُّغيان، فلا قيمة للأجسام الرياضية دون التحلى بمحاسن الأخلاق، وترسيخ القيم الرفيعة، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وفي ذلك تهذيبٌ للقوةِ الجسدية؛ حتى لا تكون طائشة، بل يضبطها صاحبُها ويوجهها إلى ما فيه خير نفسه ومجتمعه. وقد لوحِظَ في الآونةِ الأخيرةِ نشاط مُجَنِّدي الجماعات الإرهابية في استقطابِ الشبابِ في المجالات الرياضية المختلفة.وواصل: ففي فرنسا على سبيل المثال، أدان رئيس بلدية سين ومارن تمكن رجلين مصنَّفَيْن إرهابيّيْن، وفقًا للنظام الفرنسي الخاص بالمتهمين في قضايا ذات صلة بالإرهاب، "أس"، من اختراق فريق كرة قدم لانجي – سور – مارن للهواة في (سين ومارن)، وقيامهما على تدريب الفريق. كما أدان رئيس البلدية الثغرة القانونية بشأن نشاط المتطرفين. وأشار رئيس النادي، إلى أن اللاعبين يفضلون الاستماع بشكل أكثر إلى هذين المدربين، ومن الممكن أن يكونا قد ضغطا على اللاعبين من أجل تجنيدهم في الصيف الماضي. مؤكِّدًا أنه لم يكن على علمٍ بأنَ كِلا المدربَيْنِ كان يشتبه في تطرفهما. وأشار رئيسُ النادي إلى أنَّ كِلا المدربَيْنِ معروفٌ لدى الأجهزة الأمنية بالتَّطَرُّفِ : فالأول حُكِمَ عليه بالسجن لمدةِ 12 شهرًا مع إيقاف التنفيذ، وهو قيد الإقامة الجبرية بسبب التآمر الجنائي فيما يتعلق بالإرهاب. والثاني سُجِنَ للتَّوِّ، لمدة 16 شهرًا، لعدم امتثالِهِ للإقامةِ الجبرية.وأردف: لذا دعا العناصرَ الفاعلة في مجالِ الرياضة والبحوث والمؤسسات والمجتمعات المحلية، في منطقة "إيل – دو- فرانس"؛ لعقد ندوة تحت عنوان "الرياضة والتطرف"، من أجل الوقاية من التَّطَرُّفِ بشكلٍ أفضل في الأندية الرياضية. فعلى الرّغْم من قيم الاحترام والتنوع التي تعمل على نقلها، لم تعد الرياضة بمأمن من التهديدات، فقد ارتُكِبَت بعضُ الهجماتِ الإرهابية في فرنسا وفي غيرِها من الدول الأوروبية في الأندية الرياضية. وما أن انتبهت منطقة "إيل – دو- فرانس"، للتطرف الذي من الممكن أن يؤثِّرَ على المقبولين والمدربين وحتى القادة، وضعت المنطقةُ أولَ خُطَّةٍ لمنع التَّطَرُّف في الرياضة. والغرض من هذه الخُطَّة : السَّماح بإنشاءِ شبكةِ تنبيهٍ داخل الحركة الرياضية لساكني منطقة "إيل – دو- فرانس"، وتتألف هذه الشبكة من مجموعة من المنسقين الذين تلقوا تدريبًا خاصًّا، يُتيحُ لهم تقديمَ الدَّعْم إلى الأندية المعنية المتأثرة بظواهر التَّطَرُّف. وقد دعت منقطةُ "إيل – دو- فرانس"، في 30 نوفمبر 2017م الجهات الفاعلة في الحركة الرياضية والمراكز البحثية والمؤسسات والمجتمعات المحلية إلى ندوة حول هذا الموضوع.وأوضح: والهدف من ذلك هو زيادة الوعي والتوصُّل إلى مبادئ توجيهية مشتركة بشأن منع هذا التهديد المجتمعي. وكان من بين المتحدثين في هذه الندوة، نائبا رئيس الإقليم السيد باتريك كارام (مسئول الملف الرياضي)، والسيد فريدريك بيشنارد (مسئول الملف الأمني وإعانة الضحايا) ولويك جارنيه رئيس وحدة تنسيق مكافحة الإرهاب (Uclat)، وميدريك شابيتو من مركز أبحاث العلوم الاجتماعية الرياضية والجسدية (Cresco)، وأوليفيه دو مازيير رئيس الشرطة في بلدة Bouches-du-Rhône ، وموريل دوميناش الأمين العام للجنة الوزارية للوقاية من الجريمة والتطرف (CIPDR)، وفابريس أوديبراند مسئول التعاون الدولي في المدرسة الوطنية للحماية القضائية للشباب. هذا بالإضافة إلى مختلف الجهات الفاعلة والمسئولة للحركة الرياضية.ويرى المرصد أن ثلاثية الرياضة والثقافة والفن تُسْهِم في تنمية التفكير النقدي لدى الشباب، ودحض التفكير التقليدي القائم على السمع والطاعة العمياء، وهو ما يساعدهم على التصدي للتَّطَرُّفِ وزيادةِ الوعي والانتماء وحمايتهم من الأفكار الشاذة والمتطرفة بل ويجعل منهم طرفًا فاعلًا في معادلة مكافحة الإرهاب على المستويين المحلي والدولي.=
مشاركة :